+ A
A -
دارت الأيام دورتها وها هو شهر رمضان يعود إلينا من جديد،، وها نحن ننوي صيام الشهر الفضيل إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم، وهنا لابد من وقفات مع النفس قبيل بدء الصيام نضع خلالها نصب أعيننا.
لم يكتب الله علينا الصيام إلا للغايات النبيلة والأهداف الجليلة لهذا الركن الرابع من أركان الإسلام، فالصيام فُرض ليس لمجرد أن يمتنع الناس عن الطعام والشراب فقط، ومن يعتقد أن الصيام هو الامتناع عن طعامه وشرابه وحسب فقد أفرغ ركن الصيام من جوهره، لأن من أهدافه الأكيدة تدريب النفس على الصبر، كي يصبر الإنسان على ما في الحياة من متاعب ومشاق، ويتسم بالهدوء الروحاني والسلوك الرباني، والمنهج الجميل في كل شؤونه، فمستخدم الطريق على سبيل المثال عليه أن يكون هادئا إذا صادف ازدحاما، فلا يزاحم الناس كي يأخذ دور غيره، والموظف الذي بين يديه مصالح الناس عليه ألا يتحجج بالصوم كي يوجد لنفسه مبررا لتعطيل مصالح العباد، فشهر رمضان شهر العمل والجد والاجتهاد، وكل من يتراخى في عمله ويهمله بحجة أنه صائم قد شوه أهداف الصوم.
أيضا رمضان هو شهر الاعتدال خاصة في الطعام والشراب، لأن من يرى سلوك الناس وهي تزاحم في الأسواق على شراء المأكولات يظن أن هذا الشهر هو شهر الطعام لا شهر الصيام، ومما يؤكد حقيقة مبالغة الناس في الأكل والشرب أن البعض يخرج من شهر الصوم وقد ازداد وزنه بما لا يقل عن عشرة كيلو غرامات، فتهاجمه أمراض السمنة كالضغط والسكر وانسداد الشرايين، مع أن الإسلام نبهنا إلى أن نصوم كي نصح ونتقي الأمراض، فبالله عليكم هل يجوز أن نقول عن هذا النوع من الناس أنهم صاموا رمضان؟!.
شهر الصيام هو أيضا شهر القيام، على المسلم أن يستغله لاداء صلاة التروايح فهي سنة، ومن أدى سنة في رمضان كان كمن أدى فريضة في غير رمضان، ويا حبذا لو نصطحب الأطفال إلى المساجد لتدريبهم على هذا الركن الثاني من أركان الإسلام، لكن شريطة أن نعلمهم آداب دخول المسجد والتواجد فيه، لأن بعض المصلين يأخذون أطفالهم إلى المساجد ويطلقون لهم العنان فيهرولون بين الصفوف ويتخللون المصلين فيفسدون عليهم خشوعهم.
الصائم الحقيقي هو من يمارس عبادة الصوم بجوانبها المادية والروحية معاً، ويجعل هذا الشهر من كل عام بمثابة حجر الزاوية لانطلاقة جديدة في حياته يتخلص بها من كل ما يشوه أخلاقه ليرتقي بسلوكه في مختلف جوانب الحياة، ليكون مؤمنا حقا، لا ينطق إلا بكل ما هو جميل وفي هذا يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش بذيء).
الغاية من الصيام إذن تتعدى الإحساس المادي بالجوع والعطش وغيرهما، إلى الأخلاق الحميدة والمثل العليا ، فلا يتحدث إلا بالصدق، ولا ينطق إلا بالخير، ولا ينقاد للممارسات المنبوذة كالكذب، والدجل، والخداع، وخيانة الأمانة، حتى لا يكون ممن عناهم الرسول في قوله: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) وتقبل الله طاعتكم.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
13/05/2018
3074