+ A
A -
طلب مني البعض أن أتناول موضوع الحسد في أحد مقالاتي، ودافعهم إلى هذا الطلب هو أن من يهاجمون قطر ويحاولون تشويه صورتها لا يرون له سببا إلا حسدا من عند أنفسهم، فالحسد مرض اجتماعي خطير وقديم لم يسلم منه أحد، وأول مشكلة واجهها آدم بعد أن خلقه الله ونفخ فيه من روحه كانت الحسد عندما أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد له فسجدوا إلا إبليس فقد أبى وعصى، ولما سأله رب العزة ما منعك أن تسجد أجاب: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، وهكذا كان الحسد أول معصية ترتكب في السماء.
وكما كان الحسد أول معصية ارتكبت في السماء كان أيضا وراء أول معصية ارتكبت في الأرض، فكلنا نعرف أن أول جريمة وقعت بين بني آدم كانت جريمة قتل سببها الحسد، والمصيبة أنها جريمة قتل فيها الأخ أخاه، وقد أخبرنا الله تعالى بها في كتابه العزيز قرآنا يتلى إلى يوم الدين، لنأخذ العبرة ونتعلم كيف نواري الأجساد بعد خروج الروح منها، وبطلا الحكاية هما الأخوان قابيل وهابيل، فكل منهما قدم قربانا إلى الله، فتقبل الله قربان هابيل، ولم يتقبل قربان قابيل، فقتل قابيل أخاه هابيل لهذا السبب حسدا، ثم عجز عن مواراة جثته، إلى أن أرسل الله له غرابين فاقتتلا أمامه، ورأى الغراب القاتل يحفر حفرة ليدفن فيها أخاه المقتول، فحذا قابيل حذوه، ووارى جثة أخيه التراب.
وحتى اليوم لم تتعلم البشرية الدرس وتقلع عن هذه الآفة، فنجدها منتشرة في كل المجتمعات، وتلقي بظلالها القاتمة على العلاقات بين الناس، وتفضي بهم إلى العديد من المشاكل التي لا يحمد عقباها على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات والدول.
وحقيقة لا أدري لماذا لا يعالج البعض أنفسهم من هذا المرض الخطير مع أنهم تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك أن نهاية الحاسد كارثة تحل به في حياته، وغضب من ينزل عليه في آخرته، فجزاء إبليس كان الطرد من رحمة الله في الدنيا ووعيد بعذاب جهنم في الآخرة، نعم لا أدري لماذا لا يتخلص الحاسدون من هذا المرض وهم يرون المجتمعات التي ينتشر فيها هذا النموذج الحاسد من البشر تعاني من التخلف في كل شيء، لأنه أي الحسد ببساطة هو تمني زوال النعمة عن الغير، وهو في جوهرِه اعتراض على عطاء الله المنعم سبحانه وتعالى.
ومن العجب العجاب والمفارقات الغريبة التي لا يفهم كنهها أن نجد من هم أوفر حظا يحسدون من هم أقل منهم أو دونهم حظا، قد نستغرب عندما نجد مديرا يحسد موظفا في إدارته قد أتقن عمله أو ظهرت عليه ملامح نعمة الله، أو نصادف مسؤولا يحقد على موظف يعمل تحت مسؤوليته، يحسده على ما عنده من خير ورزق وصحة، وقد وصل الحال ببعض الحاسدين أن يحسدوا بعض الموتى على حسن الخاتمة.
على كل حال يكفي الحاسد عقابا له أنه حاسد، لأنه يعيش مشغول البال سيىء الحال، أما من يتعرضون للحسد فبإمكانهم تجنب شروره بدوام الشكر لله على أنعمه، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) سورة إبراهيم، آية 7، فإذا استشعرت حسدا من أحد على نعمة أنعم الله عليك بها فاشكر الله عليها يزيدك منها ويزيده غما، فعلينا جميعا كقطريين أن نشكر الله آناء الليل وأطراف النهار، فلك الشكر ولك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
18/06/2018
7577