+ A
A -
سيبدو على سبيل التكرار، القول الذي يقوله الجميع منذ سنوات، أن النظام السوري يملأ معتقلاته بالنشطاء والشباب المدنيين، ويفرج عن الإسلاميين الراديكاليين، الذين أصبحوا قادة للتنظيمات المسلحة، يفتكون بالبشر في المناطق التي يسيطرون عليها، وتقدم لهم كل التسهيلات لفعل ما يريدون من قبل النظام السوري وحلفائه، ومن قبل ممولي السلاح، وأيضا من قبل المجتمع الدولي، الذي يعقد معهم الصفقات، ويضع أسماءهم على لوائح التفاوض في المؤتمرات الدولية، سيبدو على سبيل التكرار القول إن ملف المعتقلين والمختفين والمغيبين في السجون السورية، هو أحد أهم الملفات السورية التي يجب على المعارضة السورية، وعلى المجتمع الدولي التفاوض حولها مع نظام الأسد، ومع روسيا، بوصفها الدولة الوصية حاليا.
إذ وبعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه لم يعد أمام كل من يريد التفاوض أية ورقة يمكن التأثير بها سوى ملف المعتقلين وبعده المهجرين.
ولعل إدراك نظام الأسد لأهمية هذا الملف، خصوصا في هذه المرحلة، هو ما حدا به إلى إرسال قوائم بأسماء الذين قتلوا تحت التعذيب، إلى مدنهم وبلداتهم، والطلب ممن تبقى من عائلاتهم استلام ثبوتياتهم واستخراج شهادات وفاة لهم تحت بند: مات نتيجة أزمة قلبية! ولكم أن تتخيلوا أن ما لا يقل عن سبعة آلاف اسم تم التصريح عنهم حتى الآن، ماتوا بسبب أزمة قلبية! حتى حدا لبعضهم القول، هازئا: إن الأزمة القلبية أصبحت في المعتقلات السورية وباء معديا، ينتقل بالنفس من معتقل لآخر! هكذا وبالتصريح عن أسماء الموتى في السجون تبدأ نهاية هذا الملف الشائك لدى النظام، خصوصا مع إعادة تدويره من قبل المجتمع الدولي، ومع محاولات تبييض صفحته الماشية على قدم وساق.
هل من الواجب إعادة القول إن غالبية المصرح بموتهم هم من خيرة شباب سوريا، ومن رعيل الثورة الأول، الرعيل الذي آمن بالتغيير الديمقراطي، ونادى بسوريا حرة مدنية ديمقراطية صالحة للعيش لكل أبنائها بعيدا عن أي انتماء آخر خارج الانتماء الوطني السوري؟! هل من الواجب إعادة القول إن اخفاء هذا الرعيل عبر التهجير أو الاعتقال أو الموت، كان القصد منه ترك الحبل على الغارب للمتطرفين، لجر الثورة والشعب الذي تعرض لكل أنواع النكبات، إلى ملعب التطرف والطائفية والسلاح والثأر والدم، مستغلين الخذلان الذي مني به كل من أراد التغيير، ومحاولين استثارة غريزة بقائه عبر أسهل الطرق، وهي الطرق الوحيدة التي يمكنه اللجوء إليها بعد وصول الحال إلى ما وصلت إليه!
يقينا أن كل ذلك بات معروفا للعالم أجمع، ويقينا أيضا، أن ما يحدث في المعتقلات من فظائع لم يسبق لها مثيل، صار بمتناول الجميع، منذ ما قبل تسريبات قيصر التي أصبحت أحد أهم ملفات الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، لكن يقينا أيضا أن لا أحد يهتم بما يحدث في سوريا ومعتقلاتها، ولا أحد معني بمصير عشرات الآلاف من السوريين المغيبين، الذين لا يعرف، غير الله تعالى معاناتهم داخل تلك المقابر الفظيعة، والمتروكين لجلادي النظام وأوامره ليفعل بهم ما يشاء دون الاكتراث بأية قيمة إنسانية أو أخلاقية، ودون خشية العواقب، إذ من الواضح أن العالم بأسره أعطى، منذ زمن، الضوء الأخضر لنظام الأسد لفعل ما يريد بسوريا وبالسوريين.
وحدنا، نحن السوريين، الذين لا ننتمي لأية هوية خارج هويتنا السورية، الحالمين بمستقبل أفضل لبلادنا، المؤمنين أن الإنسانية هي الحل الوحيد لخلاص العالم، وحدنا نرى ما نرى ونشهد ما نشهد، بقلوب أتلفها القهر والعجز، نعد أرقام وأسماء موتانا، ونحاول أن نميز أنين المغيبين في الأقبية، الأنين الذي يستنجد بنا نحن العاجزين الخائفين المقيدين المقتولين، دون أن يتاح لهم أن يدركوا، أننا نحن، من في الخارج مقتولون مثلهم، وأن القبور الجماعية التي تضمهم هي قبورنا أيضا، وأننا من تراكم فائض العجز والقهر أصبحنا شيئا فشيئا مجرد جنازات تسير دون أن يمشي بها أحد.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
31/07/2018
2359