+ A
A -
خسرت الهند مؤخرا رئيس حكومتها الأسبق «أتال بيهاري فاجبايي»، الذي كان من زعمائها الأكثر احتراما بعد بطل الاستقلال «جواهر لال نهرو». ويكفينا دليلا الاستشهاد بما قاله عنه خصمه رئيس الوزراء السابق «مانموهان سينغ» من أنه «رئيس وزراء عظيم»، كما يكفينا التذكير بأن الأمة الهندية اتخذت من يوم ميلاده في 25 ديسمبر يوما للحكم الرشيد، وكرمته بمنحه وسام جوهرة الهند الرفيع. هذا ناهيك عن كونه ضمن القلة من ساسة الهند الذين لم يتلوثوا بالفساد.
امتد تاريخه السياسي إلى 4 عقود، نال خلالها عضوية البرلمان الاتحادي والبرلمات المحلية، كما تولى وزارة الخارجية وصار رئيسا للوزراء عدة مرات قبل فوزه في انتخابات 1999 العامة على رأس «حزب بهاراتيا جاناتا» ليصبح رئيسا للوزراء للفترة مذاك وحتى 2004.
والمعروف أن فاجبايي، المولود في ولاية غواليور سنة 1924، لأسرة متواضعة، بدأ نشاطه السياسي في سن المراهقة عبر الالتحاق بالتنظيمات الشبابية المحاربة للبريطانيين، فدخل السجن عدة مرات، وانتمى للحزب الشيوعي قبل أن يتركه لما اتضح له أن الشيوعيين لا يمانعون فكرة تقسيم الهند. وبسبب انشغاله الدائم بالسياسة، وتغيبه المستمر عن دراسته في كلية الحقوق والعلوم السياسية فصلته الكلية، فاتجه للعمل كمحرر لمطبوعة سرية تابعة لحركة «RSS» المتطرفة، وهي الحركة التي أنجبت لاحقا معظم رموز «بهاراتيا جاناتا»، وكان واحدا منهم. وكنتيجة للعار الذي لحق بالحركة جراء إقدام أحد منتسبيها على اغتيال المهاتما غاندي، ورغبة منها في دخول البرلمان غيرت اسمها إلى «جانا سانغ» ودخلت انتخابات 1957 بعدد من المترشحين كان بينهم فاجبايي الذي حصد مقعدا له ليظل نائبا برلمانيا معارضا لسنوات طويلة.
في السبعينات ألقت به أنديرا غاندي في المعتقل على إثر إعلانها قانون الطوارئ، ولما خرج من سجنه، ساهم مع غيره في إقامة تحالف ما بين «جانا سانغ» وعدد من أحزاب المعارضة تحت اسم «جاناتا دال»، وهو الحزب الذي تمكن سنة 1977 بقيادة «موراجي ديساي» أن يلحق أول هزيمة بالمؤتمر ويطيح بزعيمته أنديرا غاندي. وعلى أثر ذلك دخل فاجبايي في حكومة ديساي الائتلافية كوزير للخارجية، لكنه لم يهنأ بالمنصب طويلا. إذ سرعان ما أطاحت الخلافات السياسية داخل «جاناتا دال» بالحكومة في نهاية 1979، لتجرى انتخابات جديدة سنة 1980 ولتعود غاندي إلى السلطة بتخويل شعبي كاسح. تسبب هذا التطور في إحباط فاجبايي ورفاقه فقرروا في العام نفسه إطلاق «حزب بهاراتيا جاناتا» بقيادة فاجبايي كبديل لـ «جانا سانغ».
وبسبب الأداء الباهت لبهارتيا جاناتا في الانتخابات التالية، أطيح بفاجبايي كزعيم للحزب لصالح زميله المتشدد «لال كريشنا أدفاني» الذي راح يدغدغ عواطف الأغلبية الهندوسية بوعود متطرفة ويستخدم قضية بناء معبد الإله رام على انقاض المسجد البابري كورقة انتخابية، فيما ظل فاجبايي معترضا على توجهات أدفاني. ولقد اثبتت الحوادث الدموية التي اعقبت هدم المسجد البابري صحة مواقف فاجبايي لجهة استحالة تطبيق برامج حزبه دون إسالة بحر من الدماء، وهو ما دفع بهاراتيا جاناتا بضغط من فاجبايي إلى مراجعة طروحاتها.
في السنوات التي حكم فيها بلاده، شهدت الهند أحداثا مهمة تعامل معها الرجل بذكاء، وأثبت من خلالها أن الهند تبقى كما كانت دائما بلدا محبا للسلام ويستلهم في حركتها مبادئ المهاتما غاندي بغض النظر عمن يحكمها. وهو لئن فاجأ العالم سنة 1998 بإجراء سلسلة التجارب النووية، فإنه أطلق مبادرة مهمة للسلام مع باكستان، وهي المبادرة التي سميت بدبلوماسية الحافلات كناية عن ذهابه بنفسه في حافلة للالتقاء بنظيره الباكستاني نواز شريف في فبراير 1999.
وخلال ولايته وقعت حرب كارجيل سنة 1999 بين بلاده وباكستان، لكنها شهدت أيضا لقاء القمة التاريخي في أغرا بينه وبين نظيره الباكستاني برويز مشرف في يوليو 2001.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
26/08/2018
52802