+ A
A -
في السنة الأخيرة من سنوات الدراسة الجامعية، أي قبل أكثر من 25 عاما، كان ضمن مقرراتنا الدراسية كتاب (الإسلام والواقع الأيديولوجي المعاصر) للعالم الكبير الدكتور محمد البهي، رئيس جامعة الأزهر الأسبق.. وكان أول فصوله بعنوان «تحديد المفاهيم أولا»..
هذا العنوان يلح عليّ دائما عندما أفكر مختارا وراغبا، أو مضطرا ومرغما.. وتلك قصة أخرى.. في أحوال مهنة الصحافة في العالم العربي.
فالناظر بعين الموضوعية إلى أحوال تلك المهنة التي أصبحت بائسة، يدرك أن هناك خللا متجذرا في تحديد مفهوم لها، وبالتالي ينسحب الخلل على دورها وحدود علاقتها بالسلطة.. إلى آخر قائمة طويلة من الاختلالات.
وإذا كان علماء الأنثروبيولوجيا يعرفون الصحفي عبر التاريخ بأنه الشخص الذي يستطيع الجري بسرعة نحو التل التالي‏..‏ ليجمع المعلومات بدقة ويعيد روايتها على نحو جذاب، فإن صورته في كثير من الدول العربية لا تخرج عن المشهد الشهير في الفيلم الأشهر «لعبة الست»، الذي قام ببطولته العبقري الراحل نجيب الريحاني مع نخبة من الفنانين عام 1946، عندما وقف الصحفي على استحياء مرتعشا ليسأل البطلة السيدة تحية كاريوكا أو «الست فاتينتسا» في الفيلم، أين ترعرعت سيدتي؟
أما إذا تطور المفهوم فإنه لا يتعدى حدود البوق الذي ينقل ما يملى عليه دون أن يكون من حقه أن يعمل عقله أو يشغّل دماغه بأي شكل من الأشكال.
أما إذا ما مارس الصحفي حقه المشروع في النقد حرصا على وطنه، فتلك هي الطامة الكبرى في العديد من الذهنيات، التي تتوجس من الحرية وترتعد من النقد، وتقذف في وجه من يمارسها، ولو في أضيق الحدود، تهم العمالة والخيانة، وأن هذا النقد سيؤدي إلى فشل الدولة أو انهيارها، مصدرة فزاعة سوريا وليبيا، وكأن الحريات في عهد الأسد الأب والابن، وكذا العقيد القذافي، هي ما أدت إلى ما وصلت إليه الدولتان، وليس العكس.
إن حرية الرأي والتعبير، وحرية الإعلام، من علامات، بل من لوازم وضرورات، المجتمعات القوية والدول المستقرة، فهي تكشف الأخطاء من بداياتها فلا تستفحل، وتضفي على المجتمع حيوية فكرية، لا تسمح للأفكار الهدامة بالترويج، ولا للعمل السري بالوجود.
إن الدول الفاشلة، لم يجرِ لها ما جرى إلا بسبب قمع الإعلام والإعلاميين، وخنق حرية الرأي والتعبير.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
07/10/2018
55703