+ A
A -
آمنة العبيدلي
فصل الشتاء جميل وبديع، رغم ما فيه من برد ورياح وصقيع، وأجمل ما فيه الغيث، أي نزول الماء من السماء رحمة من رب العباد، لينبت الزرع ويرتوي الضرع، ويشرب الإنسان وكذلك الحيوان، ولتستمر الحياة، فكل شيء حي لا غنى له عن الماء، فإذا انعدم الماء انعدمت الحياة، وهذا قول الله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ?» المؤمنون آية 30، ولنتأمل جيدا في لفظ «الغيث» فقد سمي بهذا الاسم لأن الله يغيث به الإنسان وكل ما هو حي من الظمأ، ويغيث الأرض من الجفاف.
المطر لا يغسل البيئة ببرها وبحرها وجوها من حولنا فقط، ولكنه أيضا يغسل القلوب ويصفي النفوس، ويعدل المزاج، ويبلل الأرض فتربو وتنبت من كل زوج بهيج، ويوحي للشعراء بالأشعار، وللعازفين بشد الأوتار، وللأشجار بتفتح الأزهار، ودعوني أنقل مقولة أبي حامد الغزالي: «من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج» ومن عندي أقول: «من لم يحركه الشتاء وأمطاره، والعود وأوتاره والشجر وأزهاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج».
يعجبني كثيرا منظر حبات البَرَد وهي تتساقط من السماء وتنتشر على الأرض كاللؤلؤ المنثور، كما يطربني كثيرا صوت حبات المطر وهي تنزل ليلا على زجاج النوافذ، أشعر كأن عازفا يضرب بأنامله على آلة الطبل أو الطار، ولا أخاف من صوت الرياح ليلا، لأني أعرف أنها جاءت بالخير، وكيف أخاف منها وقد وصف الله مجيئها بالبشرى فقال تعالى في سورة الأعراف: «وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ? حَتَّى? إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ? كَذَ?لِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى? لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» الآية 57.
رغم بعض الأضرار فالحمد لله رب العالمين على ما رزقنا من نعمة الغيث، فالأضرار مهما بلغت تظل ضئيلة مقارنة بمنافع الغيث الكثيرة، التي أقلها ريُّ الأرض فيخرج لنا ماءها ومرعاها، لنحصل منها على الخضراوات، ونقطف الفواكه والثمرات، رزقا لنا ولأنعامنا، وتعيش الكائنات من دواب وطيور وزواحف وحشرات، فالأرض مليئة بالأسرار والكائنات الحية التي لا نعرف عنها شيئا، تنتظر الماء يهطل من السماء ينشر الله به رحمته.
في فصل الشتاء علينا أن نتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان إذا هبت الريح دعا ربه أن يرزقه خيرها ويكفيه شرها، وإذا اشتدت الأمطار دعاه سبحانه وتعالى أن يجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب، فاللهم ارزقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
28/10/2018
2460