+ A
A -
حيثما سادت النزاهة عمّ الرخاء، وأينما وجدت الشفافية انتشر العدل، وكلما غابت هاتان القيمتان تفشى الفقر وطغى الفساد واستحكم التخلف.
«عَدَلت فأمِنْت يا عمر»
قالها رسول ملك الفرس عندما دخل المدينة يسأل أهلها عن الخليفة عمر بن الخطاب.
تلك هي النزاهة والشفافية، وهذا هو حال خلافة غاب عنها الفساد، فانتشرت القيم العليا، قيم العدالة والأمان.
جمع الفاروق بين النزاهة والحزم، والرحمة والعدل، والهيبة والتواضع، والشدة والزهد، فنجح، رضي الله عنه، في سنوات خلافته العشر في أن يؤسس إمبراطورية يتحدث عنها التاريخ.
بالأمس كنا على موعد مع تكريم تلك القيم العليا، والاحتفاء بالداعين إليها، والعاملين على انتشارها.
كوكبة أخرى من محاربي الفساد تم تكريمهم من جانب الرجل الذي رأيناه يكرس الوقت والجهد والمال في سبيل إعلاء هذه القيم، مستلهما عدالة ديننا، ورقي مجتمعنا، ليجعل هناك مكانا للعيش الكريم، بعيدا عن الغش والفساد والظلم.
إنه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أميرنا وقائدنا، الساهر أبدا على محاربة الفساد والمفسدين، هؤلاء الذين نخروا المجتمعات بآفة من أسوأ الآفات، تركت آثارها المدمرة على كل صعيد، وهي، دون غيرها، كانت من أسباب نشوء ظاهرة العنف والإرهاب، كرد فعل يتسم بالقسوة على ما آلت إليه تلك الأوضاع من ظلم ومفاسد ومعاناة.
كان يوما مشهودا.. ذلك الذي كرّم فيه صاحب السمو الفائزين بـ«جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للتميز في مكافحة الفساد»، خلال الحفل الذي أُقيم في مدينة بوتراجايا الماليزية.
لا شيء يضاهي النزاهة والعدالة لبناء مجتمعات صحية ومتقدمة، ولا شيء أسوأ من الفساد لهدمها، لذلك كانت هذه الجائزة وسيلة وأداة من أجل لفت الأنظار إلى واحدة من أكثر القضايا التي تواجهها البشرية إلحاحا، نظير ما تفرزه من مشكلات عضال، تؤجج المجتمع بمشاعر الإحساس بالظلم والضعف.
ولأن أهم عناصر قوة الأمة جودة تعليمها ونزاهة قضائها ورشاد قادتها، وهذا لن يتحقق إلا بمحاربة الفساد على كلّ مستوى، كانت هذه الجائزة باسم القائد الذي آمن بكل ذلك، فأولى التعليم ما يستحقه، حيث حققت قطر في العام 2017 - 2018 المركز الخامس عالمياً والأول عربياً على مستوى جودة النظام التعليمي، ليس ذلك فحسب، إذ تعهدت قطر بتوفير تعليم جيد لمليون فتاة في مناطق النزاعات والظروف الهشة بحلول عام 2021، ونجحت مؤخراً في مساعدة 10 ملايين من الأطفال المهمشين خارج المدرسة لتلقي التعليم الابتدائي جيد النوعية.
هكذا يُحارَب ويُكبَح الإرهاب عبر العمل الجاد والدؤوب للقضاء على أسبابه، وأبرزها الفساد، ذلك الوحش الذي لا يخلو منه مجتمع، لكن شتان بين أنظمة ديدنها هذا الفساد، وأنظمة تعمل على محاربته والقضاء على سوءاته، وتجفيف منابعه.
بالأمس تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بتكريم الفائزين بجائزة سموه، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، وبحضور دولة الدكتور مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي.
وللعام الثالث على التوالي أصبحت هذه الجائزة محور اهتمام الإعلام والباحثين والدارسين المتخصصين في مجال مكافحة الفساد، والتي يتم الاحتفاء بالفائزين بها بالتزامن مع يومها العالمي، وذلك تكريماً وتقديراً لمن ساهموا في هذه الحملة المميزة، وتكرم الجائزة الأفراد والمؤسسات الذين تفانوا في مكافحة الفساد من منطلق بعض المعايير والصفات.
لقد تحولت هذه الجوائز الرفيعة إلى أداة هدفها إلقاء الضوء على الإجراءات المثالية لمكافحة الفساد، وتقدير النماذج المحاربة له من جميع أنحاء العالم، فضلاً عن زيادة الوعي والدعم والتضامن بهدف التشجيع على مبادرات مشابهة وجديدة، واستثارتها نحو إقامة مجتمع خالٍ من الفساد.
ليس الهدف من الجائزة تعزيز صورة من يحاربون الفساد فحسب، بل أن يتم الاحتفاء بهم أيضاً في جميع أنحاء العالم، كما تسعى إلى تحفيز الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والإعلام والمجتمع المدني لتبني مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفهمها، والتعاون من أجل تنفيذها.
هذه المبادئ السامية سوف تُذكّر المجتمع الدولي على الدوام بأن أي تحرك جاد ومسؤول للقضاء على العنف والإرهاب والفوضى والديكتاتوريات المتوحشة، لا يمكن أن يتم إلا على المبدأ الأساسي الذي دعت إليه قطر على الدوام، والقائم على معالجة جذور كل هذه الآفات، وهذا يعني العمل بجد ومسؤولية من أجل استئصال الفساد، وجعل مهمة محاربته واحدة من أهم الأولويات.
لم تقدم قطر هذه الجائزة الرفيعة فقط، بل تحركت مبكرا من أجل تقديم المثال الذي يمكن أن يُحتذى بحق، فكان أن أصبحت في مقدمة الدول على صعيد النزاهة والشفافية، عبر مجموعة من الإجراءات؛ أهمها الفصل في السلطات، ووجود الأجهزة الرقابية والمحاسبية التي تعمل من أجل تحقيق هذه المعايير وترسيخها، وصولا إلى تحقيق أفضل مستوى بين الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة على مستوى العالم.
كما لم يكن هدف قطر تصدر المؤشرات الدولية لمكافحة الفساد الإداري، والتغني بما أنجزته، وإنما القضاء فعليا على هذه الآفة، لإيمانها العميق بأن تحقيق التنمية المستدامة سوف يكون أمرا مستحيلا دون ذلك، ولا بد، والحال هكذا، من التوقف مليا أمام جهود حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، عبر وضع التشريعات الضرورية لمكافحة الفساد الإداري بكافة أشكاله، وجدية الدولة في تطبيق حكم القانون، والحرص على معايير الشفافية والمؤسسية، وفعالية الأداء بجميع مفاصل الدولة، وتحقيق استقلالية القضاء.
لكل ذلك تم اختيار سعادة الدكتورعلي بن فطيس المري، النائب العام بدولة قطر، من جانب الأمم المتحدة، محاميا عاما لاسترداد الأموال المنهوبة في عدد من الدول التي سقط حكامها في ثورات الربيع العربي، أولا بسبب سمعة قطر النزيهة، وعملها الدؤوب على أكثر من صعيد لمكافحة الفساد، والقضاء على مسبباته، وثانيا بسبب سمعة الدكتور المري الذي تقلّد العديد من المناصب محليا ودوليا، ومن ذلك رئيس لجنة إعداد مشروع قانون إنشاء النيابة العامة وتحديد اختصاصاتها، ورئيس لجنة إعداد مشروع قانون إنشاء المجلس الأعلى للقضاء واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وعلى المستوى الدولي انتخب لعضوية لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، وفي مساره المهني المرموق حصل على العضوية في عدد من اللجان والهيئات القانونية المهمة، محليا ودوليا، ونال عام 2006 عضوية الاتحاد الدولي للنواب العموم، واختير عام 2008 عضوا مقررا لمنح درجة الدكتوراه في جامعة السوربون في عدة رسائل دكتوراه.
كما حصل على وسام السعفة الأكاديمية (نابليون) بدرجة فارس، ووسام الشرف بدرجة ضابط من الجمهورية الفرنسية، وخلال تقليده هذا الوسام، أكد الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، أن النائب العام ساهم في تعزيز التعاون بين قطر وفرنسا من خلال ترؤسه للجنة دراسة الاتفاقيات الدولية، منوها بتنظيم قطر لمؤتمري العدالة الإقليميين اللذين عقدا في الدوحة في 2004 و2008، وساهما في التعرف بشكل أفضل على الأنظمة القضائية للبلدين.
كما احتفت الصحف الإسبانية بتقليد سعادة الدكتور علي بن فطيس المري وسام الاستحقاق المدني الإسباني (وسام الملك فيليبي السادس)، الممنوح من قبل ملك إسبانيا.
وعلقت صحيفة (إيه بي سي)، في سياق تقرير لها، بأن قطر، التي تواجه حصاراً من جانب بعض الدول العربية، تسعى لتقوية علاقاتها مع الخارج في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة، وبالطبع أوروبا.
وأبرزت الصحيفة قيام وزير خارجية إسبانيا، ألفونسو داستيس، بمنح وسام الملك فيليبي السادس للنائب العام القطري، تقديراً على جهوده في مجال العدالة.
بالأمس سمعنا الدكتور علي بن فطيس يؤكد، خلال الحفل المرموق، أنه من خلال هذه الجائزة، يود حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، أن يرسل رسالة إلى أولئك الذين يحاربون الفساد في كل مكان في العالم بأن «هناك من يقف معك، هناك من يرى عملك، هناك من سيأخذ بيدك ليعطيك مثالا يحتذى به، أنتم من تستطيعون إنقاذ بلدكم من الوقوع في فخ الفساد». لإنقاذ بلدانهم من الوقوع.
وشدد سعادته على أنه لا يمكن كسب الحرب على الفساد إلا عندما يؤمن من يحاربه بقدرته على الانتصار، «فالفاسد لا يمكنه محاربة الفساد»، مضيفا أنه «ما لم تجد قائدًا يؤمن بالقضاء على الفساد، فإنك لن تفوز، بصرف النظر عن مدى قوتك».
آخر نقطة..
هذه هي الخلاصة المهمة لجائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ وجود قائد يؤمن بالقضاء على الفساد، ويدفع من أجل تحقيق هذا الهدف السامي، ويأخذ بيد محاربي هذه الآفة لإنقاذ بلدانهم من الوقوع في الفخ.
هذا هو شعاع الأمل الذي اختارت قطر أن تقدمه للعالم، ولمحاربي الفساد، من أجل بناء مجتمعات تكون الكلمة العليا فيها للقانون..
وفي وجود رجل متمرس في هذا المجال بشهادة
الأمم المتحدة والسوربون..
ومشهود له في قطر والعالم بأنه
«حامي القانون».
copy short url   نسخ
08/12/2018
5375