+ A
A -
كانت ولاتزال وستبقى فلسطين وما يحدث فيها وحولها وعنها قضية العرب المركزية، تنخفض وتيرة الأحداث وترتفع في الشرق الأوسط وحتى في الغرب لكن تجد فيها شيئاً ما أو خيطاً يمتد لتكتشف أن نهايته هناك في أروقة ودهاليز منظومة الكيان الصهيوني داخل فلسطين المحتلة،
لست من هواة أو معتنقي نظرية المؤامرة التي تقف خلف كل شيء يحدث وتربطه بجهة أو مجموعة ما قابعة في الخفاء خلف الأبواب المغلقة لتحيك خيوط تلك المؤامرة أو هذا الحدث، لكن في نفس الوقت إنكار وجود نظرية المؤامرة بشكل كامل هو في حد ذاته مؤامرة، فلسطين للأمة العربية والإسلامية بمثابة الترمومتر الذي تقاس عليه المواقف وتبنى الآراء، ومؤشره الذي يستمد حركته صعودًا وهبوطًا من نبض الشعوب العربية والإسلامية هو الفيصل والحكم الأوحد الذي يفرق بين الوطنية والأمانة والتطبيع والخيانة، نعم للسياسة أحكام تفرضها وهناك قواعد وخطوط ومحاذير لمن يدخل لعبتها، لكن الشعوب تحكم بما تراه قلوبها وما يستقر في وجدانها ولا تقف كثيرًا أمام تلك الأحكام ولا تعنيها البتة تلك القواعد والمحاذير والخطوط عندما يتعلق الأمر بثوابت الأمة وقضاياها المحورية والمصيرية.
فلسطين جغرافيتها على الخريطة تشبه الوتد الذي يربط ويثبت ويوحد عُرَى العالم العربي بشقيه الإفريقي والآسيوي -وهي كذلك- بمثابة جسر تواصل بينهما على مر العصور، ليأتي الاحتلال الصهيوني ويعمل وبكل خبث وتآمر على تحويلها إلى إسفين تم دقه في منتصف سويداء القلب ليجعل العرب عربين، فبجانب قيمتها الدينية والتاريخية للعرب على اختلاف انتماءاتهم وكونها محط تبجيل وتقديس من أصحاب الديانات الثلاث، جاء موقعها الجغرافي ليجعل زرع الكيان الصهيوني على أراضيها ضرورة ملحة للمستعمر الغربي القديم الجديد ليصبح بمثابة رأس حربة تحاك فيه المؤامرات وتعقد الصفقات لاستنزاف الثروات والمقدرات للتيقن من إبقاء الوطن العربي بشقيه مشتت متناحر ممزق، تتناوشه الحروب والأزمات والخلافات والمجاعات لينسى قضيته المحورية والمركزية ولينشغل بصراعات تتفاوت شدتها وأسبابها وأهميتها لينعم الكيان الصهيوني بالهدوء ويستمر بالتمدد شرقًا وغربًا بوسائل وطرق شتى بدءًا من تحييد وإقصاء خصومه الحاليين والمحتملين وصولًا للتطبيع والتحالف مع من لا يجدون غضاضة بالوصول لأهدافهم ومآربهم فوق أشلاء فلسطين ودماء شعبها.
وكما فلسطين قضية العرب المركزية فهي أيضًا ورقة المساومة التي يستخدمها الصهاينة مع بعض دول وأنظمة ونخب المنطقة العربية والعالم الإسلامي، فهل كان انقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي الدموي في مصر سينجح ويتم تمريره غربيًا وفرضه على أرض الواقع عربيًا لو لم يمنحه الكيان الصهيوني مباركته ودعمه، ألم تكن من ضمن أسباب المؤامرة للإطاحة بالرئيس محمد مرسي ونظامه المنتخب هو توجس الاحتلال الصهيوني وأحلافه ورعبه من نجاح التجربة الديمقراطية المصرية عقب ثورة 25 يناير 2011 التي أفرزت أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر وجاءت مواقفه معبرة عن رأي وأمنيات غالبية قطاعات الشعب عندما وقف منددًا بالعدوان على قطاع غزة في نوفمبر 2012 وكانت مقولته الشهيرة حينها «القاهرة لن تترك غزة وحدها، ومصر اليوم مختلفة عن الأمس وعرب اليوم مختلفون عن عرب الأمس»، وربما لو استمرت التجربة لنتج عنها عودة مصر كفاعل مؤثر في معادلة الصراع العربي-الصهيوني بعد أن تم تحييدها عقب معاهدة كامب ديفيد 1978، ليأتي الانقلاب العسكري بالجنرال الفاشي صاحب السلام الدافئ مع الكيان وهدية السماء لإسرائيل كما عنونت صحف الكيان الصهيوني نفسه وبالبنط العريض، واحتفت بالسيسي عدو الربيع العربي والإسلاميين والمقاومة الفلسطينية مع شريكيه في أبوظبي والرياض وبقية الحلف الذي باتت أطرافه معلومة للجميع.
كانت قضية فلسطين حاضرة في المشهد وبقوة في مسلسل الصعود الصاروخي لولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» فقد كان الوعد بالعمل على التطبيع مع الكيان الصهيوني والتنسيق معه باعتبارهما عدوين إقليميين لإيران والترويج لهذا على المستويين الشعبي والسياسي أحد أهم أوراق اعتماد الأمير الشاب لنيل الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية لينطلق قطاره نحو العرش ليدهس في طريقه كل من يعترضه.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
14/02/2019
1636