+ A
A -
هناك معادلة لا تغيب عن النظام العسكري لحظة واحدة وهي أنه لا مجال لزحزحته قيد أنملة حال استمرار الفصائل والقوى المعارضة له متشرذمة متفرقة وفي كثير من الأحيان تكون خلافاتها تجاه بعضها البعض أشد وطأة من خصومتها مع النظام الانقلابي نفسه، وهناك حقيقة أخرى باتت جلية كلما تحركت القوى والنخب من غير التيار الإسلامي بأي خطوة معارضة للسلطة العسكرية الحاكمة تقوم بالتزامن معها بإظهار خصومتها وخلافاتها مع المعسكر المتمسك بمكتسبات واستحقاقات ثورة يناير والمناصر للرئيس محمد مرسي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين حد وصف البعض لنظام الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان بالفاشية.
وفي أحيان كثيرة تقوم بالمبادرة بالهجوم دون الحاجة لهذا فالمعسكرات والتوجهات تحددت معالمها وهوية وأهداف المنضوين تحت ألويتها منذ مدة طويلة، وربما يرجع هذا إلى حدة النظام العسكري في الهجوم على كل معارض له ولو بشطر كلمة مهما كانت هويته وأيديولوجيته وربطه مباشرة بالإخوان المسلمين -التهمة المعلبة والجاهزة- وفي نفس الوقت مبالغة المعارضين من التيارات العلمانية في نفيهم عن أنفسهم تلك التهمة المضحكة والخطرة العواقب في نفس الوقت بالهجوم المضاد تجاههم ليجتمعوا مع النظام العسكري في تلك النقطة -الخصومة مع التيار الإسلامي- وهو ما يصب في مصلحة النظام العسكري بكل تأكيد.
وهناك نقطة أخرى غاية في الأهمية وهي أنه كما يغيب عن التيارات العلمانية الظهير الشعبي المؤثر نظرًا لكون خطابها نخبويا من الأساس وتفتقد للقدرة على التواصل بشكل جيد مع الشارع ويعود هذا لطرحها لأفكارها بصورة تجعل الغالبية تنفر منها حين ربطت نفسها بشكل أساسي بقضايا فرعية تعتبر من رفاهيات المجتمعات الراسخة في الديمقراطية والمساواة، والتي لا تلمس الحاجات الأساسية للمواطن العادي في ظل نظام قمعي ديكتاتوري - ساهمت جُل تلك التيارات في قدومه- ويفتقد للقدر المقبول من الحياة الكريمة وتأتي تلك القضايا في ذيل اهتماماته، ربما يلاقي هذا الخطاب صدى لدى الدوائر الغربية ويجعلها تستمع لنقدها واعتراضاتها على النظام العسكري لكن يبقى الصدى محدودا وبلا أثر تقريبًا على حراك الشارع -العامل الأهم في المعادلة الثورية- ويقابله النظام العسكري بإجراءات التصفية المعنوية لأصحابه وملاحقتهم قضائيًا ولن يحرك الغرب -الرسمي- ساكنًا فحرية الشعوب العربية تضره أكثر مما تنفعه بلا شك، ويغيب عن التيار الإسلامي وجود نخب ووجوه مقبولة لدى نفس الدوائر في الغرب والذي يقابل خطابها بفتور وعدم اهتمام ودوائره السياسية وصاحبة القرار تعلم عن وحشية النظام الانقلابي ودمويته أكثر مما يعلمه الجميع، في نفس الوقت ونتيجة للهجوم المتواصل من غالبية الأطراف ضد أي حراك فعلي تكون شعاراته وأهدافه تنتصر لثورة يناير ومكتسباتها والنظام المنتخب وترى في 30 يونيو والمحسوبين عليها رأس حربة التمهيد والتمكين للانقلاب العسكري هدأت بصورة شبه كاملة أي اعتراضات شعبية في الداخل ضد الانقلاب رغم المعاناة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وموجة القمع السياسي غير المسبوق ووحشية المؤسسات الأمنية في التعامل مع أي صوت معترض على سياسات الجنرال السيسي ومنظومته، ووقفت الغالبية التي تغلي حرفيًا يائسة حائرة -إلى حين- بين حركات ونخب معارضة المقبول منها غربيًا ليس له تأثير داخلي وصاحب التأثير الأكبر داخليًا يعمل الجميع على إخراس صوته وتهميشه، وتلك هي مكونات المعادلة المستحيلة والحتمية في آن واحد وهي جمع المعارضين والمناوئين للانقلاب العسكري على هدف واحد وأرضية مشتركة تستطيع عبرها الحشد شعبيًا للانطلاق نحو إكمال طريق الثورة وإزاحة العسكر من المشهد -يجب أن يسبق هذا كله الاعتراف بالأخطاء من قِبَل الجميع وفي المقدمة التيارات العلمانية- ولكن يبدو أن تحقيق تلك المعادلة لايزال صعب المنال في الوقت الحالي على الأقل.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
06/04/2019
1651