+ A
A -
تبقى العلاقات الأميركية- الإيرانية في غاية التعقيد والتشابك مما يجعل أنصار كل نظرية- العداء الحقيقي والعداء المتفق عليه- يمتلك العديد من الحوادث والأسباب التي تعضد وجهة نظره، لكن الحقيقة هي أن العلاقات الأميركية- الإيرانية خليط من هذا وذاك، فالعداء الأميركي- الإيراني مفيد للطرفين وفي كلتا الحالتين- حقيقي أو مصطنع- وإن كانت الاستفادة الأميركية أكبر بكثير في الوقت الحالي وعلى المدى المتوسط،
تستغل أميركا هذا العداء في استمرارية تواجدها في منطقة الخليج المدفوع الأجر بحجة حماية دوله من الخطر الإيراني وأيضًا عقد المزيد من صفقات التسليح بعشرات المليارات وتأمين تدفق النفط لأراضيها وبقاء قواعد عسكرية ذات أهمية استراتيجية قصوى لتأمين مصالحها المتعددة في آسيا والمحيط الهندي والقرن الإفريقي وغيرها، وتستغل إيران هذا العداء في تصدير نفسها كدولة لها مشروع مقاوم للهيمنة الأميركية وحليفها الصهيوني المدلل وتتمدد تحت هذا الغطاء في المنطقة حتى أصبح لها نفوذ واسع لا يمكن إنكاره في العراق واليمن وسوريا ولبنان وفي نفس الوقت هناك أطراف دولية أخرى عدة لا يستهان بها أبرزها الاتحاد الأوروبي وخاصةً- فرنسا وألمانيا- المرتبطين بشراكات اقتصادية مع طهران وتتمسكان بالاتفاق النووي معها والذي انسحبت منه أميركا في وقت سابق ويعملون على محاولة الخروج من ضغط روسيا على القارة العجوز في ملف الطاقة بالاستعانة بالبديل الإيراني، وهناك روسيا والصين وحتى تركيا والهند، وتجعل تلك الأطراف حصر الصراع أو لنقل الخلاف بين واشنطن وطهران أو أن الطرفين فقط هما من يملكان وحدهما أوراق التأثير فيه وفي مجرياته هو أمر غير صحيح أو حتى منطقي بكافة الحسابات.
دائمًا ما كانت العلاقات الأميركية- الإيرانية متشابكة وغامضة وما يطفو على السطح عكس ما يحدث خلف الأبواب المغلقة في كثير من الأحيان وهو ما يجعل من المنطقي القول إن كل ما تقوم به إدارة ترامب يصب في اتجاه الضغط على إيران بشتى الطرق لإجبارها على الجلوس على طاولة التفاوض وقبول الشروط الأميركية التي ترمي لضمان بقاء إيران بعيدة قدر الإمكان عن تحالفها مع التنين الصيني والدب الروسي ونسف التفاهمات الآخذة في الازدياد بين إيران وتركيا، وإرضاء لحلفاء أميركا المناوئين لإيران في المنطقة وتطمينهم أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران أو المرتبطين بها تهديدهم، في نفس الوقت هذا الضغط ستدفع فاتورة متطلباته دول خليجية بعينها وهي السعودية في المقام الأول ثم الإمارات، وجدير بالذكر أن هناك اتفاقية صداقة بين أميركا وإيران تم عقدها في أغسطس 1955 في عهد الشاه وظلت قائمة حتى ألغتها أميركا من جانب واحد في أكتوبر الماضي على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو عقب قرار محكمة العدل الدولية بوقف العقوبات الأميركية على السلع الإنسانية المفروضة على إيران، وحتى في ظل الخصومة بين الطرفين وأوج الحرب الباردة قامت الولايات المتحدة بتزويد إيران أثناء حربها مع العراق بصفقة أسلحة بوساطة صهيونية وشراكة برتغالية رغم قرار حظر توريد الأسلحة لها وتصنيفها عدوة لأميركا وراعية للإرهاب وهي ما تعرف بفضيحة «إيران-كونترا» في عهد الرئيس ريغان وحرص الإدارة الأميركية أيضًا على إطالة أمد الحرب مع ضمان عدم خروج أي من الطرفين منتصرًا وهي أمثلة توضح أن المصلحة هي الأساس ولها الأولوية في تحركات الدول الكبرى بوجه خاص. التصعيد الأميركي المفاجيء بإرسال قطع عسكرية جديدة بينها حاملة طائرات وقاذفات قنابل طراز بي 52 لمنطقة الخليج جاء وحسب مصادر صحفية أميركية إثر تقارير استخباراتية أشارت لوجود مخطط إيراني لاستهداف مصالح وقوات أميركية في عدة دول بالمنطقة بهجمات متنوعة باستخدام طائرات مسيرة وغارات واغتيالات، وردت إيران بالتلويح بإغلاق مضيق هرمز واستئناف نشاطها النووي مع عدم إغفال تأكيد الطرفين مرارًا على عدم نية الدخول في حرب، نحن في خضم مغامرة أميركية سيستغلها ترامب داخليًا للتغطية ولو قليلا على ما يجابهه من أزمات على شاكلة تقرير مولر وأزمة ملفه الضريبي.
{ ( يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
10/05/2019
1611