+ A
A -
ورحل الرئيس محمد مرسي شهيدًا كما يجب أن يكون، فما لرجل مثله أن يحين أوان رحيله بغير تلك الصفة والمرتبة لتضاف بجانب غيرها من الصفات والألقاب التي ستجعله يدخل التاريخ ليس فقط من أوسع أبوابه بل من باب لم يسبقه إليه أحد على مدى تاريخ مصر الطويل بأكمله، فهو أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا وبإرادة الشعب المصري في انتخابات حرة نزيهة شهد لها العالم أجمع شرقه وغربه، وعلى مدى أعوام حياته الـ68 الحافلة بما فيها من أحداث ومحطات مشرفة كان الحب والإخلاص للوطن هي محركها الأوحد، ليأتي يوم رحيله في ذكري بدء جولة الإعادة بينه وبين أحمد شفيق مرشح نظام المخلوع مبارك وكأنما أراد القدر أن يكون يوم الرحيل الأسطوري بمثابة إعلان أن الرئيس الشهيد محمد مرسي كان وسيبقى في الصفحات المضيئة من سجلات التاريخ الإنساني (رجلًا بحجم ثورة).
كان رحيله حدثا غير عادي بكل المقاييس كما كان انتخابه حدثًا تاريخيًا بكل المعايير، عندما انتخب كان يمثل هذا الخط الفاصل بين فسطاطي الثورة والدولة العسكرية العميقة، وعندما استشهد كان يوم رحيله بمثابة اختبار للبعد الإنساني لدى الجميع، حكومات وشعوب، نخب وقواعد، ليوثق ما كان معروفًا منذ البداية أن جموع الأحرار والشرفاء من كافة الشعوب ستودعه بالدموع والدعوات، ويثبت بالدليل القاطع ما كان معلومًا بالضرورة أن تكتلات الطغاة وأذنابهم من كافة الدول والتوجهات لن يكتموا شماتتهم ولن يخبئوا دناءتهم فقد أزيحت عن طريقهم عقبة من أصعب العقبات، اختبار نجح فيه من كان لديه ولو القليل من الضمير والإحساس وكشف مجددًا عن الوجه القبيح للكثيرين ممن كان يعتقد أن خلافهم مع الرئيس الشهيد مجرد خلاف سياسي أو أيديولوجي ثم يأتي استشهاد الرئيس ليظهر للعلن مخزون بشع من الوحشية والتجرد من الصفات البشرية بطريقة مروعة لا يتقبلها أي عقل أو يستيسغها أي منطق ولا تتضمنها أي ديانة أو معتقد أو توجه سياسي مهما كان تطرفه فللموت حرمته وجلاله ولكن من يشارك بالجهد والدعم بأنواعه والمال ويهلل ويبرر لحامل السلاح إزهاق الأرواح المسالمة وإراقة الدماء البريئة من أين له أن يعرف للموت قدسيته واحترامه.
مثل الرئيس الشهيد محمد مرسي كل ما تحتويه قواميس الثورات الشعبية من صفات وآمال وآلام وعقبات، وكل ما تتطلع إليه الشعوب الثائرة وكذا كل ما تعاني منه من مؤامرات داخلية وخارجية وتكتلات مضادة إقليمية ودولية وطبقات مخملية بصبغة عسكرية رأسمالية تظن أن الأوطان ومقدراتها هي ملك خالص لها وليس لباقي طوائف الشعب إلا ما يعطوه هم وكأنه منة منهم وليس حقا أصيلا ومشروعا، لذا كان العداء للرئيس المنتخب داخليًا وخارجيًا حتى قبل انتخابه واستمر طوال أيام سنة حكمه الوحيدة وتخطاها لمنهجية القتل البطيء خلال سنوات اعتقاله الست ليتم اغتياله جسديًا في محبسه ومعنويًا في ساحات القضاء المنبطح للعسكر وعلى شاشات ومنصات تمارس العهر الإعلامي بكل ما يحمله المصطلح من معنى، وحتى ملابسات استشهاده وطريقة التعامل مع إجراءات دفن جثمانه الطاهر وما تزامن معها من غل وحقد في التغطية الإعلامية للنظام العسكري وأحلافه الإقليميين والتي أظهرت كيف أنه كما كان شوكة في حلق العسكر وحلفائهم في الداخل والخارج أثناء رئاسته وخوفهم حتى من خروج صوته للعلن أثناء اعتقاله ومحاكمته الهزلية المفتقدة لأبسط قواعد القانون والعدالة والحقوق، فقد أرعبهم حتى بعد أن فارق الحياة فعملوا على دفنه بسرعة وحرمان عائلته من دفنه في مقابر العائلة كما أوصى واقتصار حضور مراسم الجنازة على بعض من أفراد العائلة وتعمد عدم معاملته كرئيس سابق للجمهورية، وبطريقة توحي أن وفاته لم تكن إثر نوبة قلبية كما زعموا في تقارير الطب الشرعي.
لقد جمعت شخصية الرئيس الشهيد محمد مرسي ومسيرته السياسية وسجله الاجتماعي والأكاديمي كل المقومات والصفات التي تجعل من أي نظام عسكري وديكتاتوري ومن يرتبطون به من أحلاف إقليمية ودولية يكنون له العداء الشديد والخصومة المشبعة بالحقد المختلط بالمؤامرات والدسائس المغلفة بكل وسائل الغدر والخيانة العاملة على إزاحته من المشهد السياسي بأي ثمن حتى لو كان هذا الثمن ممزوجًا بدماء الأبرياء وأنات المعتقلين ومعاناة المطاردين والمنفيين، ولو كان الثمن قلب التوازنات في المنطقة بأكملها، وإرجاعها للوراء وغرقها في مستنقع من الاستقطاب والتمزيق، وإنفاق مئات المليارات حتى لا تفكر الشعوب أن يخرج من بين ظهرانيها مرسي جديد يهدد منظومة الاستغلال والتبعية والاستبداد المستظلة برعاية غربية وصهيونية لا يخدم مصالحها أن تختار شعوب الربيع العربي من يمثل مصالحها ويرعى حقوقها.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
20/06/2019
1761