+ A
A -
في يوليو 2013 تم تكرار الأمر من جديد، حيث استعادت المؤسسة العسكرية زمام السلطة كاملة، بعد انحناء مؤقت لثورة 25 يناير وبغطاء سياسي وشعبي متمثل في جبهة الإنقاذ المصرية، والتي تم تدشينها في 18 نوفمبر 2012 بمقر حزب الوفد وبمشاركة رؤساء أحزاب الدستور والجبهة الديمقراطية والكرامة والمصري الديمقراطي والمصريون الأحرار والتيار الشعبي والمؤتمر والوفد وبزعامة شخصيات مثل البرادعي وعمرو موسى وعمرو حمزاوي وآخرين،
وتشكلت فعليًا في 22 نوفمبر 2012، بعد يومين من الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي وتوسعت مكوناتها لتشمل ما يقارب 35 حزباً وحركة سياسية وثورية، وكان رئيس حزب الدستور محمد البرادعي منسقًا عامًا للجبهة، والتي غلب عليها التوجهان الليبرالي واليساري، فيما بدا وكأنه انتقام بأثر رجعي من تحالف المؤسسة العسكرية مع جماعة الإخوان المسلمين في الخمسينيات، وهو ما نتج عنه الإطاحة بالملكية والأحزاب ذات الطابع الليبرالي واليساري نهائيًا واعتقال غالبية رموزها وحظرها من العمل السياسي.
دولة يوليو العسكرية بنسختيها القديمة والجديدة دومًا ما كانت تغير صفة الطرف الثالث وتلصق به من الاتهامات والصفات ما ينفّر الشعب منه ويمهد الأرض لقبول طوائف واسعة التنكيل برموزه ومنتسبيه ويكون للطرف الثاني المتفاهم أو المتآمر مع المؤسسة العسكرية المقدمة أو رأس الحربة لطعنه والتخلص منه بصفة نهائية أو الحد من قدراته وشل حركته في دائرة لا تنتهي، لكن مع فارق واضح، وهو إمساك العسكر بنقطة البداية والنهاية فيها، فالإعلام الرسمي عمل بشكل متواصل على ربط التيار المدني وحقبة الملكية في بوتقة واحدة وإظهار الفساد في العصر الملكي والأحزاب الليبرالية واليسارية، والتي كانت تتبادل رئاسة الحكومة، خاصة في عهد الملك فاروق وكأنهما شركاء في هذا على غير الواقع، فقد كانت هناك حياة سياسية وخطوات متتابعة في طريق كان سيؤدي حتمًا للملكية الدستورية، وإن كانت تقطعه بين الفينة والأخرى سلطات الاحتلال الانجليزي، خاصة في سنوات الحرب العالمية الثانية، والتي أعقبتها بسنوات قلائل حركة 23 يوليو 1952، وفي عصر المخلوع مبارك ثم الانقلابي السيسي جرى ربط تيار الإسلام السياسي بشتى مدارسه بالصراع الدموي بين الدولة والجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، بل ونسب اغتيال الرئيس السادات وعلى غير الحقيقة للإسلاميين، رغم أن جميع المشاركين الفعليين في الاغتيال من العسكريين، وإعلام الدولة نفسه، وعلى مدى سنوات، عمل على شيطنة جماعة الإخوان المسلمين تمهيدًا للانقضاض عليها، وهي الفصيل الأكبر في المعادلة السياسية عقب ثورة يناير 2011، والتي كانت كل المؤشرات تؤكد حتمية فوزها بكافة الاستحقاقات الانتخابية عقب الثورة وقد كان، وتم هذا دون أي ممانعة من التيار المدني الذي خرج خالي الوفاض تقريبًا من أي مكاسب سياسية مؤثرة، ونعني هنا المناصب الرسمية والتمثيل البرلماني والتشريعي، وهو من تخلى ومن باب المكايدة السياسية عن أي مشاركة تمت دعوته إليها أو تمثيل تشريعي وسياسي تحصل عليه، وكأن المكسب الأكبر، وهو رهن القرار والسلطة بإرادة الشعب المصري ليس مكسبًا كافيًا لتجنب التيار المدني خطيئة التحالف مع العسكر لإزاحة النظام المنتخب.
كانت ولا تزال خيوط اللعبة كما هي ويتم تكرارها وحصد العسكر لنتائجها مستمرًا وفي نسق عجيب، فكما استخدم جمال عبدالناصر تحالفه مع الإخوان المسلمين وأطاح بالنظام الملكي والأحزاب الليبرالية واليسارية وانقلب على الجماعة في صراع دموي بعدها، ثم حين خلفه السادات أفرج عن المعتقلين السياسيين وتشكيل الأحزاب وسمح بعودة الإخوان المسلمين للحياة السياسية ثم الاستعانة بالتيار الإسلامي حتى يتمكن من كبح جماح ما عرف بالتيار الناصري المتشبع بالاشتراكية، وهو ما تم بالفعل، وسيطر نظام السادات حرفيًا على الحياة السياسية في مصر مستغلًا الجميع من الطرفين، ثم قيامه في سبتمبر 1981 بحملة الاعتقالات الشهيرة وجرى اعتقال المئات من كافة الأطياف السياسية والدينية حين اتفقت غالبية الأطياف على رفض اتفاقية كامب ديفيد، والتي وقعت في 17 سبتمبر 1978، حينها لم يشفع لأي فريق مواقفه السابقة وتم الزج بالجميع خلف قضبان المعتقلات وإغلاق بعض الصحف غير الحكومية ثم اغتياله بعدها في 6 أكتوبر 1981، ثم قيام المخلوع مبارك بالإفراج عن المعتقلين في نوفمبر من العام نفسه لتعود اللعبة للتكرار من جديد.
{ (يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
05/07/2019
1428