+ A
A -
مساء الأحد الماضي وقع انفجار مروع خارج معهد الأورام بمنطقة المنيل في محافظة القاهرة، وتضاربت الأنباء والروايات حول أسباب الانفجار ومداه وأسلوبه وحتى عدد الضحايا من القتلى والجرحى، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيس في ما يخص الحادث المأساوي في ظل تلكؤ وتقاعس الدولة المصرية ممثلة في الضابط المسؤول عن توجيه الأجهزة الإعلامية لتغطية الحدث بأي شكل كان، رغم تواجد مسؤولين على مستوى عال من الحكومة في محيط معهد الأورام، وهم: وزيرة الصحة ووزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة، وهو ما أطلق العنان لروايات شتى ومتضاربة تم تداولها عبر فضاء السوشيال ميديا.
ولتأتي التغطية الأولى للحادث عبر وسائل إعلام خارج مصر سواء من قناة الكفيل السعودي «العربية» ويمكن اعتبارها قناة النظام، فدومًا ما تتناغم تغطيتها للأحداث مع وجهة النظر والرؤية العسكرية، فالكفيل والممول واحد وفي كثير من الأحيان تكون العربية هي قناة مصر الرسمية، وتنقل الأخبار عنها القنوات المصرية المملوكة للدولة والخاصة منها على حد سواء، فالجميع داخل مصر خاضع للتوجيه الانقلابي وأي تغريد خارج السرب كفيل بنفي صاحبه خارج المنظومة وربما خارج مصر نفسها أو الزج به في غياهب السجون والمعتقلات أو من قناة «الجزيرة» والتي جاءت تغطيتها للحادث بمثابة درس جديد في كيفية العمل بمهنية ومصداقية تحترم المشاهد وعلى قدر الحدث وفي حدود المتاح، رغم غلق مكاتبها داخل مصر منذ سنوات واستهداف السلطات المستمر لصحفييها.
حديثي هنا ليس عن بشاعة الحادث ومأساويته ولا عن التعامل البدائي من قبل أجهزة الدولة المختلفة تجاه الضحايا من قتلى وجرحى والمرضى داخل المعهد وجميعهم يخضعون لعلاج دقيق ويحتاجون عناية خاصة طوال الوقت، وتوقف هذا ولو لدقائق معدودة قد يكلف المريض حياته ورأينا كيف تم إخلاؤهم بطريقة في قمة الفوضوية وافترش بعضهم مع ذويهم الأرصفة القريبة من المعهد في منظر لن تراه في دولة ضمن أسوأ بقاع العالم، ولن يكون عن التعامل الإعلامي المهين للدولة والمستخف بمشاعر وعقلية المواطنين حين خلت كل القنوات والمنابر الإعلامية المصرية الرسمية والخاصة ولساعات طويلة عقب الحادث من أي خبر يتعلق به في واقعة لو حدثت ضمن دولة لديها القليل من الاحترام والتطبيق للقوانين ومحاسبة المقصرين لاستقالت الحكومة بأكملها، ومنظومة صادرت العمل الإعلامي وضيقت الخناق على العاملين به حد نشر أحد الصحفيين الكبار لمنشور على حسابه الشخصي على «الفيس بوك» أوضح فيه عزوف وتردد الصحفيين عن النزول لتغطية الحادث خوفًا من الاعتقال والتنكيل، فالأوامر لم تأت بعد للتحرك وتغطية الحادث ولا مجال للمغامرة بالنفس عبر القيام بتحركات فردية أو مجهود تطوعي بحكم الطبيعة الصحفية، فعمل كهذا لو جاء مخالفًا لما ترسمه الإدارة وتحكمه القبضة الأمنية قد يودي بمستقبل صاحبه وربما حياته. الأحاديث والتساؤلات يجب أن تكون حول كيفية وقوع الحادث من الأساس في ظل نظام عسكري يعتمد خطابه الترويجي الأساسي حول الأمن ومحاربة الإرهاب، وهو ما تثبت الحوادث المتكررة في مناطق الدولة المختلفة فشله الذريع في هذا الملف الذي يضع النظام في مرتبة المتآمر على الشعب والدولة، فليس من مصلحته القضاء على الإرهاب كما يدعي، فلو حدث هذا ستسقط عنه ورقة التوت التي يتحجج ويتغطى بها ويساوم الغرب عليها وبواسطتها، ولتركزت الأنظار على وحول الأخطاء الكارثية لنظام عبدالفتاح السيسي في الملفات الاقتصادية والسياسية والحقوقية وحتى الديموغرافية والاجتماعية.
ما يحدث في مصر حاليًا تخطى مرحلة التعتيم وسيطرة الدولة على الإعلام كما المجالات الأخرى، ليصل إلى مرحلة قتل الإعلام والنزول بمصر إلى القاع وغياهب النسيان في مجال كانت السباقة فيه والمتصدرة له في المنطقة العربية، فالنظام الحالي لا يكتفي بالسيطرة بل يتعمد التفتيت والتشتيت وإفراغ كل المجالات من النخب والعقول ومصادرتها وتجفيفها لصالح فئات معينة كل مؤهلاتها الانتساب بأي طريقة كانت للطبقة الحاكمة الجديدة داخل الدولة وتنفيذا لأجندات الحلفاء من خارجها من يتحكمون بالقرار عبر التمويل والدعم بأنواعه، لينفذ النظام العسكري المطلوب منه لخدمتهم وبقائه، بحيث لو حدث يومًا ما ورحل النظام سيترك الدولة خاوية على عروشها خالية من أي مقومات للاستمرار.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
09/08/2019
1260