+ A
A -
داليا الحديدي
يذكر الدكتور لويس عوض في مذكراته قصته مع أخيه الأصغر الذي أراد دراسة الفلسفة تأسيًا به، فأنفق من الليالي ليحقق التفوق وليصبح معيداً بالجامعة، وفي السنة النهائية، فوجئ الدكتور لويس أنه سيكون ضمن هيئة التدريس بلجنة الامتحان الشفهي، وكان أداء الطالب «رمسيس عوض» بلجنة الامتحان أكثر من محكم.
ويعترف الدكتور لويس أن أخاه كان جديرا بدرجة «امتياز» إلا أنه حرص على منحه «جيد» لينأى بنفسه عن شبهة التحيز للقرابات.
وبالنهاية كتب الدكتور لويس: «لقد ظلمت أخي، لكي يقال عادل!»
كم من آباء وأمهات أتاهم صغارهم بشكوى: «ماما، جاري ضربني»
فتنصف الأم ابن الجار وتظلم صغيرها ليقال عادلة، فيعاني الصغير من جلد الذات مع إحساس دائم بعدم تقدير أهله له، ما ينتج عنه إخفاؤه لمشاعره أو لأي عدوان يصدر ضده ولو كان تحرشًا، خوفًا من مواجهة خذلان الأهل أوإدانتهم دون تقصٍّ.
لما ينسى الأهل أنهم سند الابن الوحيد وكيف فضلوا حصد لايكات الجيران والمجتمع عن إنصاف صغيرهم. وبالنهاية فسنكون أمام إنسان سيعاني من الانطوائية والرهاب الاجتماعي.
ليحترس كل ولي أمر من استسهال الصراخ أو التوبيخ على كل صغيرة، وتبرير سباب الأبناء كنوع من العقاب وأحيانا توقيع عقوبات دون ذكر أسباب، بل ومطالبة الأبناء بتخمين الأسباب التي دفعت الأهل لمعاقبتهم!
: ستظلين محرومة من جوالك أو من دميتك لحين التوصل لمعرفة جريرتك!
كم أود معرفة سبب ممارسة تلك الضغوط النفسية على نفوس أطفالنا مع إرهاقهم بفرط التفكير السلبي دون شرح الأخطاء بنبرة هادئة ومحترمة تراعي آدميتهم، عدا أننا نكرر سلوكيات لطالما أزعجتنا، فعادة ما يتسرع الأهل في رمي الاتهامات جزافًا دون التحري مع تحميل الابن مسؤولية أخطاء غير مؤكد اقترافه لها.
فمثلا:
«ناديتك مرارا، وأنت تتعمد تجاهلي»
هكذا اتهام يوقع الطفل في هوة، فيدرك أنه متهم من أقرب الناس له باقتراف جريمة لم تصدر منه ولم يفكر فيها، بل وقد صدر حكم الإدانة بدون منحه فرصة للدفاع وبدون حق الاستئناف.
فلا غرابة أن نكون بصدد إنسان يشب على فقدان الثقة بأهليته للتقدير أو التصديق، فضلًا عن أنه قد يكون عرضة للتلعثم نتيجة لكبته الدائم لو حاول توضيح موقفه، سيكون كل همه الفرار من النيران الصديقة!
إن عددا من رجال الدين وعلماء النفس يؤكدون أن أكثر الضغوط التي تقع على الإنسان تأتيه من الأقارب لا من الأغراب. فيبدو أن من أمن العقاب أساء الأدب. فلأن الأهل أمنوا العقوبات الدنيوية واستكانوا لمكانتهم المقدسة، فنسوا حقيقة أن الله يؤخر البعض ليوم تشخص فيه الأبصار.
وصعوبة التربية تكمن في أهمية الموازنة بين عدم الافراط أوالتفريط، فالتدليل لن ينتج عنه أبناء صالحون، فعلاج زعل الأطفال بالسكاكر أو المقايضة بعمل الواجب مقابل هدية، سينتج عنه شخص شره، يربط بين حل المشاكل والطعام، أو إنسان أناني، مادي ونفعي، حتى مع أقرب الناس إليه.
إنني أتساءل: أما آن الأوان لأن تقر وزارات التربية والتعليم بأهمية إضافة مادة للتربية الأسرية بالمناهج لتخريج مجتمع مدرك ان تنشئة الطفل على إلقاء اللوم على الآخرين سيجعله يمارس الإسقاطات وإدمان دور المسكنة.
إننا سنحصد ما سنزرع، لكن العجيب أننا نكرر أخطاءنا، فالآباء لا همّ لهم إلا المن على صغارهم بأحاديث على شاكلة:
علمناكم، صرفنا عليكم وفسحناكم وأكلناكم...،
فما جدوى المن والأذى؟
متى يدرك الأهل أن الدعم النفسي أهم من سواه المادي لدى مواجهة الطفل لصعوبات التعلم؟
متى نتيقن أن التنشئة الرياضية أو الموسيقية ليست ترفًا بل جوهرية في تعضيد الثقة بالنفس؟
متى نتأكد أن مناهضة التنمر من المحيطين لا يجب الاستهانة به كونه مدمرا لشخصية الصغير؟
متى يدرك الأبوان أن محبتهما واحتفاءهما بصغارهما لا يجب أن تكون مشروطة بسلوك أمثل أو بتصرفات أنموذجية، وإلا فسيواجهون بالتجهم وسيحاربون بأسلحة التقريع والتهميش عدا السب والضرب! متى يعلم الآباء بخطورة الحب المشروط وأنه أسهل وسيلة لإنتاج شخص انقيادي، مستعد للتنازل عن قناعاته في سبيل أن يحظى بقبول محيطه؟
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
17/08/2019
2001