+ A
A -
من أساطين ذلك التيار المؤرخ اليهودي (توم سيغف)، و(إيلان بابيه) الذي يعتبر نفسه يساريًّا ومناهضًا للصهيونية، و(شلومو ساند)، وهو بروفسور تاريخ «إسرائيلي» بجامعة تل أبيب، ومؤلف كتاب اختراع الشعب اليهودي، والذي أصدر كتاب : «اختراع أرض إسرائيل»، وكتاب: «كيف لم أعد يهودياً»، والشيء الذي تصَّدَرَ اهتمام تلك التيارت كان «الجدل حول الكيفية التي يُمكن أن تكون فيها الدولة يهودية وديمقراطية» و«المسألة الفلسطينية».
تيارات «ما بعد الصهيونية» احتلت في التسعينيات من القرن الماضي وفي العشرية الأولى من القرن الحالي، حيزاً مهماً في النقاشات الداخلية «الإسرائيلية» بين أنصارها ممن يرون حتمية الدخول في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين والقبول بحل يقضي بإقامة دولة فلسطينية (حل الدولتين) وبين الاتجاه الغالب في «إسرائيل» الذي يريد منح الفلسطينيين (لاحظوا كلمة منح..!) كيانا فلسطينيا «أوسع من حكم ذاتي لكنه أقل من دولة»، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالتوطين حيث هم وتهجير قسم كبير منهم إلى أصقاع المعمورة.
تيارات «ما بعد الصهيونية» وبعد أن خبا وتحشرج صوتها، نتيجة تصاعد حضور قوى اليمين واليمين المتطرف في «إسرئيل» خلال العقدين الماضيين واندلاق شهية تلك القوى نتيجة الإنحدار العربي العام والتغطية الأميركي غير المسبوقة لسياسات وممارسات «إسرائيل»، تجد نفسها في وضعٍ صعب، وفي تراجع مستمر من حيث الحضور، ومن حيث زخم الفكرة التي طرحتها، لكنها مع هذا وذاك ما زالت تحتل حيّزًا في الجدل «الإسرلائيلي» الداخلي الدائر هذه الأيام على أعتاب الانتخابات التشريعية للكنيست الـ 22 يوم 17 سبتمبر المقبل 2019. فمنظرو وكتاب قوى اليمين يعتقدون أنه، وعلى الرغم من كل الإجراءات التي اتخذها حُكم اليمين في «إسرائيل»، والمُستمر عملياً منذ أكثر من أربعة عقود، وتحديداً منذ صعود حزب الليكود إلى سدّة السلطة عام 1977 بقيادة مناحيم بيغن والرامية إلى تعزيز هيمنته الشاملة سياسيًّا وفكريًّا، لا تزال هناك جيوبٌ تخضع بالكامل إلى سطوة منظمات «ما بعد صهيونية»، لا سيما في الجهاز القضائي ووسائل الإعلام، ومنها منظمة «بتسيلم الإسرائيلية» لحقوق الإنسان والفاعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والراصدة لسلوك وممارسات الاحتلال وجيشه ضد المواطنين والشعب الفلسطيني. لقد تراجع البعض من الفاعلين في تيارات «ما بعد الصهيونية» من المثقفين اليهود، وحجتهم أن لسان حالهم يقول: «الانتفاضة بعد العمليات التفجيرية في المدن والشوارع في تل أبيب وغيرها، أرغمتنا على العودة إلى داخل ذاتنا الصهيونية، وإلى الرحم الصهيوني»، فأضحت تلك التيارات، ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية صيف العام 2000، تيارًا وهميًّا غير فاعل بشكلٍ جدي في الحياة السياسية داخل «إسرائيل»، وبالتالي لن يكون لها من تأثير على مسار الانتخابات المقبلة للكنيست، اللهم سوى الصوت المتحشرج لمن بقي ممن ما زال يتبنى أفكارها من المثقفين اليهود. أما الجزء المتماسك من شخصيات تلك الاتجاهات «تيارات ما بعد الصهيونية»، فلسان حاله يقول الآن، وخاصة بعد مقتل رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995 برصاص متطرف يهودي من أصولٍ يمنية هو (ايغال عامير)، إن: «إسرائيل بممارساتها عقّرت قدرتها على الإخصاب، لكن ما زال بإمكانها تلقيح نطفتها في عملية إخصاب اصطناعية»، فعملية التسوية دخلت إلى سراديب طويلة ومظلمة وملتوية، ولم يعد بامكانها الولوج نحو الضوء في دهاليز النفق الطويل.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
23/08/2019
1886