+ A
A -
لا يكاد يمر يوم إلا ويظهر وينكشف المزيد من الأخطاء والنتائج الكارثية للنظام العسكري الحاكم في مصر والتي لا تحتاج للكثير من التفكير للوصول إلى نتيجة قطعية بأن هذا النظام جلب لمصر مشاكل وأزمات وعقبات، ووضع، ولا يزال، على كاهل شعبها فواتير وديونا وقروضا وتبعات يصعب التعافي منها على المدى القريب، ومع هذا لا ينفك الإعلام الموالي للعسكر عن قلب الحقائق وتزييف الواقع وتصوير الأمور على عكس حقيقتها ويتم طرح التساؤلات عن جدوى هذا المسلك في ظل توافر مصادر متعددة للمعلومات ناهيك عن المشاهدة اليومية وعلى أرض الواقع لتبعات تلك القرارات في شتى المجالات وبالأخص الشق الاقتصادي الذي يمس الأساسيات الضرورية لغالبية قطاعات الشعب المصري، وعن الأسباب لإنفاق مبالغ طائلة وفي اتجاهات متعددة لتجميل وجه النظام القبيح وصنع شعبية زائفة له والتخويف من تبعات سقوطه.
«عرض المعلومات الحقيقية لم يعد له أي قيمة على الإطلاق، الشخص الذي تم غسل عقله لم تعد لديه القدرة على تقييم المعلومات والحقائق، الحقائق لا تعني أي شيء بالنسبة له حتى لو أغرقته بالمعلومات والإثباتات والصور سيرفض تصديقها حتى يتلقى صفعة تزلزل كيانه، عندما تسحقه البيادة العسكرية، عندها فقط سيفهم».
تلك العبارات صرح بها «يوري بيزمونوف» ضابط الكي جي بي السابق والذي هرب إلى الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي وفضح الأساليب والطرق التي كان يستخدمها الاتحاد السوفياتي لإسقاط الدول، ويبدو أن القوم «العسكر» في مصر يتبعون تلك الاستراتيجية في التعامل مع الشعب المصري منذ عقود، عبر تزييف وعيه وإيصاله لمرحلة أصبح فيها يصعب عليه التفريق بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، مستخدمين في هذا جوقة من الإعلاميين والمشايخ والفنانين والمثقفين للسيطرة على الشعب وتزييف وعيه وتغيير ثوابته وهدم مقدساته وتقسيمه إلى طوائف تتناحر وتتقاتل فيما بينها.
يحدث كل هذا بينما يقف النظام والمؤسسات التابعة له متفرجًا ومستفيدًا من هذا التناحر الذي يجعله القوة الوحيدة المسيطرة على المجتمع المتحكمة في مصيره والسعي لدمج النظام متمثلًا في المؤسسة العسكرية والدولة بأكملها في كيان واحد، جاعلاً غالبية الشعب تقتنع أنه لو سقط وانهار فستسقط الدولة معه وتتفتت وتضيع (رغم أن الحقائق والشواهد والإثباتات على فساد الحكم العسكري واستبداده متوفرة أمام جميع فئات الشعب وفي متناول يده عبر وسائل الإعلام المختلفة غير التابعة للنظام والسوشيال ميديا وعلى أرض الواقع في كافة المؤسسات وحياته اليومية).
الركائز الفكرية لأي مجتمع (خصوصًا المجتمعات العربية والإسلامية) تعتمد على الدين والتعليم والثقافة والإعلام لذلك تسعى النظم الشمولية بمختلف أنماطها إلى إخضاع تلك الركائز وتطويعها لتكريس وجهة نظر النخبة الحاكمة.
لهذا عمل، ولا يزال، النظام العسكري لإيجاد وتلميع كوادر دينية جديدة وتطويع القديمة لخدمة المؤسسة العسكرية وربط الثوابت الدينية بالتيارات السياسية المختلفة بحيث أصبح التلاعب بنصوص الدين وثوابته لخدمة النظام أحد أهم أهداف الدعاة والمشايخ لضمان استمراريتهم وتواجدهم واستبعاد كل من يحاول الدفاع عن الدين حتى لو كان من الموالين للانقلاب والداعمين للمؤسسة العسكرية وأيضًا دخول الفنانين والمطربين وحتى الراقصات في المجال الديني بهدف تحويل الدين من القدسية والتبجيل إلى الهزل والاستهزاء والتنظير وجعله مستباحاً لكل من هب ودب ومن ليس بأهل للتصدي لأمور الدين والفقه.
عدم الاهتمام بمنظومة التعليم وقصر دورها على تخريج أجيال من الشباب شبه متعلمين، متشبعين بأفكار غريبة عن المجتمع، ناقمة عليه، منفصلة عنه لكنها في نفس الوقت (في الحالة المصرية) ترى «المؤسسة العسكرية» هي الكيان الوحيد المتماسك والوطني والقادر على قيادة الدولة والحفاظ عليها.
العمل باستمرار على استمالة وإبراز الكتاب والمثقفين المغمورين وتلميعهم وفرضهم على المتلقي وجعلهم ضيوفاً دائمين على كافة وسائل الإعلام وإفساح المجال لهم للترويج لأفكارهم التي تضرب ثوابت الشعب في الصميم واستهداف جيل الشباب على وجه الخصوص وسلخه وجرفه بعيداً عن الموروثات التي تربى عليها من الانتماء لدينه ولثقافته ولأمته العربية والإسلامية وفي نفس الوقت نجد هؤلاء الكتاب والمثقفين يتبارون فيما بينهم لإرضاء العسكر وإظهارهم بمظهر المنقذ للشعب الحامي له والمدافع عن الدولة وبقائها.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
05/09/2019
2116