+ A
A -
لم يكن تدشين تركيا لعملية نبع السلام في التاسع من أكتوبر الجاري بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري، بالأمر المفاجئ للمتتبع لطريقة تعامل الدولة التركية مع ملف الثورة السورية منذ اندلاعها، وكان فقط ما يؤخر العملية هو انتظار التوقيت المناسب والظرف الملائم للقيام بها، دون الإخلال بالقوانين والمواثيق الدولية وللحفاظ على المدنيين في مناطق العمليات في ظل الوضعية المعقدة على الأراضي السورية.
وأيضًا تواجد قوات عسكرية تمثل أطرافا دولية وإقليمية بطرق مباشرة وغير مباشرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وإيران وفصائل مسلحة أخرى تدعمها قوى إقليمية نكاية في تركيا، وأيضًا التجهيز لإتمام أهداف العملية في أقصر وقت ممكن، في ظل الاعتراضات المتوقعة ضدها، فلكل طرف حساباته ومصالحه التي قد تتفق مع تركيا في نقطة وتختلف معها في أخرى.
الهدف الرئيسي من العملية يمكن اعتباره تكميليا لعمليتي درع الفرات في 24 أغسطس 2016 واستمرت حتى 29 مارس 2017 وتمكنت القوات المشاركة فيها من تحرير مناطق عدة أهمها مدينة جرابلس الحدودية ومدينة الباب معقل «داعش» وتطهير ما مساحته 2055 كيلومترا مربعا وبفضل العملية أصبح المناطق المحررة في الشمال مناطق آمنة للمدنيين السوريين الفارين من داعش والميليشيات الكردية السورية المرتبطة بمنظمة بي كا كا والمنصفة منظمة إرهابية، وعملية غصن الزيتون التي بدأت في 20 يناير 2018 ويمكن اعتبار يوم 18 مارس 2018 هو موعد انتهائها عسكريًا بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الذكرى 103 لمعركة جناق قلعة سيطرة الجيش التركي بالتعاون مع الجيش السوري الحر على مركز مدينة عفرين ونتج عن العملية تحرير مدينة عفرين وبلداتها والسيطرة على جبل بورصايا الاستراتيجي التابع لبلدية شيران وطرد ميليشيات ي ب ك/‏بي كا كا من المنطقة، وكان الجبل بمثابة قاعدة لها تستهدف منه ولاية كليس التركية ومدينة إعزاز السورية وعودة الحياة الطبيعية للمنطقة، وأيضا كشفت العملية عن تجهيزات هندسية ضخمة ومعقدة وذات طبيعة عسكرية، ناهيك عن الأسلحة والذخائر التي خلفتها الفصائل الكردية خلفها، ثم عملية نبع السلام ومن أهم أهدافها إنهاء مشروع يهدف لإنشاء كيان انفصالي على أساس عرقي وإنشاء منطقة آمنة والتمهيد لعودة اللاجئين والمهجرين والعمل على تحجيم قدرات الفصائل الكردية المناوئة لتركيا والمدعومة من أطراف عدة، وبغض النظر عن الدوافع المشروعة للقيام بالعملية من حيث مقتضيات الأمن القومي وحماية الحدود والحفاظ على وحدة الأراضي التركية والسورية أيضًا وقطع خط الإمداد لجماعات إرهابية، تقوم بعمليات تخريبية داخل الأراضي التركية، كان من المثير للاستغراب اصطفاف الكثير من الدول العربية واتفاقها مع وجهة النظر مع إسرائيل، من حيث رفض العملية، وكأنه من مصلحتها قيام كيان انفصالي في شمال سوريا مع أمنيات وأحلام بالتمدد والتوسع ويهدف للمزيد من التهجير للمكونات العرقية الغير كردية من المنطقة.
في النهاية، لا يمكن لأي طرف إقليمي أو دولي إنكار الدور المحوري الذي تقوم به تركيا في قضية اللاجئين منذ تحول الثورة السورية من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة كرد فعل طبيعي من الثوار ضد الإجراءات العنيفة التي اتخذها النظام السوري في درعا، ثم اتسعت لتشمل كافة المناطق السورية، ومن ناحية أخرى ما حدث ويحدث في سوريا يؤثر بالصورة الأكبر في جارتها تركيا أكثر من غيرها، حيث يبلغ طول الحدود بين البلدين حوالي 822 كيلو مترا ويمثل جنوب تركيا مع شمالي سوريا والعراق المنطقة الجغرافية الرئيسية التي يتركز فيها الأكراد وينشط فيها حزب العمال الكردستاني والمصنف إرهابيا، وهو حزب تأسس في نوفمبر عام 1978 ونشط جناحه العسكري في 1984 ودخل في صراع عنيف مع الدولة التركية وقدر عدد الضحايا الناجم عن عمليات الجناح العسكري للحزب خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات فقط بحوالى 40 ألف شخص.
{ ( يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
18/10/2019
1809