+ A
A -
جمال الهواري
كاتب وصحفي مصري
تزامنت المظاهرات في الشارع مع الذكرى الثلاثين لتوقيع «اتفاق الطائف» أواخر 1989 وقد تعرض الاتفاق خلال تلك السنوات الثلاثين الماضية، لعثرات كادت أن تودي به ولعل أبرزها قد وقع في السنوات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير 2005 وانقسمت البلاد حينها بين موالاة للنظام السوري وإيران ومعارضة له وأعقبتها عدة اغتيالات لشخصيات سياسية وإعلامية وأمنية، وتفاقم الوضع وتصاعد وكاد أن يؤدي للاقتتال الطائفي من جديد لولا تدخل دولة قطر التي استضافت الفرقاء اللبنانيين في مايو 2008، وتم عقد ما يعرف باتفاق الدوحة الذي أنهى الأزمة والأحداث الدامية وانتخب العماد ميشال سليمان كرئيس توافقي للجمهورية وعاد الهدوء ليخيم على لبنان مجددًا، وجدير بالذكر أنه حتى وحدات الجيش اللبناني نفسه كانت تخضع لحسابات الطائفة بحيث يخدم أفراد كل طائفة في وحدات قريبة من مناطقهم قبل أن يتم التخلي عن هذا تدريجيًا منذ أواخر التسعينيات.
تخضع الساحة السياسية اللبنانية لحسابات معقدة وقد فاقم منها نظام المحاصصة بحيث أصبح هناك ما يشبه عدة كيانات داخل الدولة الواحدة وتمترست كل طائفة خلف زعمائها وقادتها ومنذ توقف إطلاق النار في أواخر 1989 بدأت حرب من نوع جديد يصور قادة كل طائفة لأفرادها أن أتباع الطوائف الأخرى يترصدونهم ويتحينون الفرص للانقضاض عليهم في ما يشبه الاتفاق الضمني بين المؤثرين على الساحة السياسية بمختلف مستوياتهم للحفاظ على مكتسباتهم السياسية وما يتبعها من منافع ومكاسب اقتصادية ومالية، ولو أضفنا لهذا وجود أذرع مسلحة للطوائف بعضها علني وبعضها لا ومن أبرزها الجناح العسكري لحزب الله، وأيضًا ارتباط العديد من الكيانات بأطراف خارجية وتتخذ تلك الارتباطات أشكال من الدعم المالي والسياسي مما يعني أن التأثير على القرار السياسي الداخلي مرتبط بالضرورة بتفاهمات خارجية.
ربما يكون الدافع الذي أخرج المتظاهرين اللبنانيين إلى الشارع دافع اقتصادي وخدماتي عقب فرض الحكومة لحزمة ضرائب جديدة طالت حتى الاتصالات عبر الانترنت وتطورت للمطالبة باسقاط الحكومة والهتاف ضد الرئاسات الثلاث -الجمهورية والوزراء والنواب- وكلما تراجعت الحكومة للوراء زاد ضغط المتظاهرين عليها.
ولكن أهم مكاسب الحراك في الشارع مهما كانت نتائجه على الصعيد السياسي والاقتصادي هو مشاركة اللبنانيين من كافة الطوائف جنبا إلى جنب واختفت المحاذير والمخاوف بين الطوائف وبعضها البعض وأدرك المتظاهرين أن الخروج من عباءة الطائفة إلى ساحة الوطن ككل ليست بالمخاطرة أو الفكرة السيئة كما كان يعتقد وأن الثورة حق مشروع ونجاحها سيحصد ثماره الجميع لو تمت تنحية خطاب الطائفة والمصلحة الضيقة وطرح الأسئلة المنطقية حول جدوى الإبقاء على نظام سياسي يعتمد على توازن هش بين مكونات الشعب المختلفة ويتيح للمتنفذين من قادة الطوائف الحصول على كل المكاسب لتعاني الغالبية من التبعات بعض النظر عن الطائفة المنتمين إليها، لقد جمعت الساحات بين المتظاهرين رغم اختلاف انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية والعرقية لثبت لهم إمكانية الذوبان معًا في نسيج الوطن والعيش في ظل منظومة سياسية تعتمد على حقوق وامتيازات المواطنة لا خطوط والتزامات المحاصصة.
copy short url   نسخ
02/11/2019
1645