+ A
A -
وسط أجواء إيجابية متفائلة، تخللتها ابتسامات ودية متبادلة، سبقتها تطلعات وآمال، انعقدت القمة الخليجية الأربعون في الرياض، لتصدر بيانها الختامي، متضمناً عزم قادة الخليج على مواجهة التحديات المحيطة بالخليج، وأهمها في تصوري رأب الصدع الداخلي.
محللون ومغردون كثر تساءلوا منتقدين: البيان الختامي إذ غلب عليها الصياغة الإنشائية الجميلة، لكنه لم يتعرض لأهم تحدٍ يهدد وحدة المجلس (الأزمة الخليجية )؟!
هم محقون، فالجرح عميق، والخطب جسيم، لكن لي وجهة نظر أخرى، إذ أرى في هذه القمة وبيانها، انعطافة مهمة في حلحلة الوضع المتأزم، وبارقة أمل في احتواء الخلاف الخليجي الذي طال، وإن كان بشكل غير مباشر، ومن يحلل البيان الختامي ويتفحص بنوده، يخرج بنتيجة واحدة، أن الهم الأول لقادة الخليج، اليوم (إصلاح خلل ذات البين).
كلمة خادم الحرمين الشريفين من جهة، ومداخلة سمو أمير الكويت من جهة ثانية، وبنود البيان الختامي كلها، مؤكدات هادفة لعودة المجلس إلى مساره الصحيح.
فعندما تردد قاعة قصر الدرعية أصداء عبارات مثل: (وحدة الصف الخليجي في مواجهة التحديات) (الوقوف صفاً واحداً ضد التهديدات) (هناك عزم صادق من القادة أن يظل المجلس كياناً متماسكاً ومتكاملاً ومترابطاً وقادرا على مواجهة التحديات) (الوحدة الخليجية متماسكة وثابتة) (استكمال تنفيذ ما تبقى من خطوات التكامل الاقتصادي والمالي والنقدي وصولاً إلى المواطنة الخليجية بحلول عام 2025) وذلك بعد 3 سنوات عجاف، شُل فيه العمل الخليجي المشترك، فهذا لا يحمل إلا معنى واحداً، هو أن المجلس قرر طَي صفحة الماضي، وتهميش الخلافات البينية وتجاوزها، وتغليب لغة المصالح المشتركة، استشرافاً لخليج موحد وقوي، وذلك لسبب بدهي وبسيط، إذ لا يتصور تحقيق أي بند من بنود هذه البيان، إذا ظل الوضع المتأزم على ما هو عليه.
قوة المنظومة الخليجية، في وحدتها وتماسكها وتكاملها، هذه هي حكمة الآباء الخالدة التي أرادت القمة التذكير بها وتأكيدها، وهذا غير ممكن إذا لم يحل التأزم بين دولها.
لقد كان فرض الحصار على الشعب القطري، خطأ جسيماً، ويبدو أن الجميع اليوم، أدرك فداحة هذا القرار، الضيق الأفق، وما ترتب عليه من كوارث، وقد آن الأوان لاتخاذ الإجراءات التصحيحية، وأولها فتح المنافذ البرية والبحرية والجوية، إذ كيف نتحدث عن وحدة الصف الخليجي، والأبواب مغلقة في وجه القطريين، لا يدخلون إلا بتصريح مسبب ومشروط ؟!
لقد كان موقف قطر، خلال الأزمة إنسانياً متسقاً مع أهداف المجلس، إذ لم تعامل دول المقاطعة بالمثل، وظلت أبوابها مفتوحة لجميع الخليجيين، ودعت المقاطعين إلى كلمة سواء، ليس مقبولاً في عالم اليوم أن تقاطع أو تحاصر شعباً بأكمله، وترفض التفاوض ! كما أنه ليس من المعقول أن تتحدث عن وحدة خليجية ووضعك متأزم !
لنستشرف المستقبل، ونستفيد من دروس الأزمة ما يحصننا من الانتكاس، فإن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، نحن أهل الخليج ركاب سفينة واحدة، وأصحاب مصير مشترك واحد، إذا تم خرق السفينة غرقنا جميعاً.. فالمنطقة تمر بتحديات ومخاطر تتطلب تكاتف الجهود في مواجهتها.
أخيراً: يبقى القول، إنه من حسن الوفاء إذا استبشرنا بما تحقق، أن ننسب الفضل إلى أهله، وهنا لا بد من تثمين الجهود المباركة لسمو أمير الكويت، حفظه الله تعالى، الذي عقد العزم على رأب الصدع، وها هي جهوده تؤتي ثمارها بعون الله وتوفيقه.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
16/12/2019
2656