+ A
A -
في خطوة تبدو سليمة في ظاهرها وتخفي تفاصيلها لقادم الأيام.. «تراجعت» المملكة العربية السعودية عن قرارها بمنع المسلمين في دولة قطر من أداء فريضة الحج عبر المنفذ البري، وذلك بإعلانها مساء أمس الأول عن فتح مركز سلوى أمام الحجاج القطريين بدون عدد محدد أو تصاريح إلكترونية كما هو المتبع والمتعارف عليه، في خطوة مفاجئة بهدف الابتعاد عن «تسييس الحج» الذي يرفضه المجتمع الدولي، والأهم من ذلك «الرضوخ» لكلمة الحق وعين الصواب وهي عدم إقحام الدين في خلافات الدول أو منع المسلمين من أداء شعائرهم الدينية.
ولا جدال بأن المسلمين القادمين للحج في هذا الموسم يشعرون بشيء من القلق بعد أن زج بهذا الركن الأصيل من أركان الإسلام في أتون السياسة واستخدامه كورقة ضغط ومصدر ترهيب وترغيب، لانتزاع موقف معين أو تمرير قرار وما شابه ذلك.وبغض النظر عن أسباب التراجع السعودي سواء كان نتيجة الضغط الدولي ولجان حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني التي «وبّخت» دوائر القرار في الرياض على هذا التصرف الأرعن، أو كان ذلك بسبب تقرير الخارجية الأميركية الممهور من وزيرها تيلرسون، والذي انتقد فيه المملكة حول «الحريات الدينية» والتضييق الذي تمارسه على المقيمين على أرضها والقادمين إليها..
نقول بغض النظر عن الأسباب.. فليس لنا إلا الظاهر وما علينا سوى الانتظار لنعرف مدى جدية السعودية في تقديم التسهيلات والخدمات للحجاج القطريين كحال غيرهم من المسلمين القادمين للحرمين الشريفين.
وكذلك سنغض النظر عن الطريقة التي خرج بها القرار السعودي، والتي تعد استكمالا للأداء الضعيف والمستوى الهزيل والطريقة الهابطة التي ظهرت عليها أغلب دوائر القرار في الجانب السياسي والإعلامي، مما هز صورة المملكة العربية السعودية التي ظلت معروفة بشموخها ورصانتها وثباتها على مدار 70 عاماً قبل أن تسلّم «الخيط والمخيط» لمستشارها قائد الذباب الإلكتروني، ليسيء لها بتغريدات صبيانية وتصريحات طفولية، مما جعل الكثير يتحسّرون على تاريخها.. وكذلك سعوديين يهمسون لبعضهم البعض «عزّتي للمملكة من مستشارها»!
وبعيدا عن دليم الذي يسجّل للأمراء في المجالس ويصور الشيوخ بدون إذنهم، وعودة للقرار السعودي الذي رحبت به وزارة الاوقاف مشيدة بهذا «التراجع» عن إقحام الشعائر الدينية في الخلافات السياسية ومتمنية على السعودية الجدية والتعاون مع وزارة الاوقاف القطرية لتسهيل مهمة الحجاج القادمين من الدوحة.
القرار حتى اللحظة ما زال يثير حوله شيئا من الشكوك والشبهات، بعد أن تواترت أخبار من قبل بعض المسافرين مساء أمس عن وجود إجراءات غير معهودة ولا مألوفة، مثل توقيع تعهدات والتصوير مع الصحافة والإعلام، كما أن سفرهم بدون تصاريح إلكترونية أو تثبيت «باركود» لكل حاج يجعلهم عرضة للحظر وتلفيق التهم لمن أراد أن يلحق بهم أذى أو ضرراً، وكان حريا بالقرار السعودي أ ن يكون دقيقا وواضحا ويمنح للحاج بطاقة وهوية ورقماً ليتم تسهيل حركته وتأمين حجه.
وما نعرفه أن بداية مناسك الحج للقادم إلى مكة برا تبدأ من الميقات في السيل الكبير ويسبقها الاستعداد بقص الشعر وتقليم الأظافر والاغتسال والوضوء وارتداء رداء وإزار أبيضين نظيفين وطاهرين ثم التطيب وصلاة ركعتين خارج أوقات الكراهة المحددة شرعا ثم النية.. ولم نسمع أو نقرأ أن هناك إضافات جديدة لشعائر الحاج القادم من مركز سلوى.. كتوقيع تعهد إجباري أو إجراء لقاء تليفزيوني!
قلناها ونعيدها ونكررها.. أبعدوا الحج بكل شعائره ومناسكه عن الخلاف السياسي، فالسعودية تعهدت في بيان خارجيتها الأول بعدم المساس بالحجاج أو المعتمرين القادمين من قطر.. وما زلنا ننتظر تأكيد هذا الكلام بالفعل!
أما النقطة التي تستحق أن نتوقف عندها ولو قليلا.. هي ما ذكر في ثنايا القرار السعودي عن وجود مكرمة ملكية بإرسال طائرات تنقل الحجاج القطريين على نفقتها!
طبعا كما هو معروف أن دولة قطر ومن يعيش على أرضها من مواطنين ومقيمين في حالة من الرخاء ولله الحمد والشكر، وعرف عنهم تقديم العون للآخرين بلا منّة، فهذا الشعب جُبل على فعل الخير وعلى الفزعة للمظلوم حتى لقّب بـ «كعبة المضيوم».
أهل قطر لا يريدون «منّة» من أحد، يحتاجون إلى «أمن» وتسهيلات مثل باقي الحجاج وإذا عندكم «زود».. فهناك دول كبرى مثل مصر وصغرى كالبحرين وجزر مثل المالديف وموريشيوس، أحوالهم ليست على ما يرام، وكذلك بعض الشعب السعودي، فالأولى الالتفات لهم قبل التفكير بالصرف على شعب يتمتع بكامل حقوقه وامتيازاته ولا يعاني من فقر أو بطالة، كما لم يذكر عنه إطلاق وسم في وسائل التواصل الاجتماعي: «الراتب لا يكفي الحاجة»..!
نريد تطبيق الواجب الشرعي بتسهيل الحج وعدم تسييسه، ونأمل تأمينه وتوفير الخدمات بلا منّة!
وكما عهدنا منكم سابقا في رعاية الحرمين الشريفين يجب أن تكون مكة المكرمة بعيدة عن أي توترات خارجية، فهي ليست وجهة سياسية يحدد من يزورها، هي قبلة المسلمين جميعا،وتسهيل الوصول لها وأداء الفريضة بها واجب عليكم، ارتضيتموه لأنفسكم، ونشهد لكم طوال عقود مضت بحسن رعايتكم وعنايتكم، ونأمل ألا تؤثر هذه الأزمة على تاريخكم مع المقدسات، وأن تتحكموا في أصداء الخلاف وتحييده وتقييده كي لا يلقي بظلاله أكثر وأكبر على الشعائر الدينية بعد أن أقحمتموه في أوساط الشعوب وأشعلتموه في وسائل الإعلام!
ولماذا لم يوضح القرار وضع المقيمين في دولة قطر، وهل يحق لهم الحج في هذا العام أم تم منعهم؟!
ما زال هناك غموض حول بعض التفاصيل ونأمل أن تكون المملكة جادة في تخفيف حدة التوتر بالسماح للمسلمين (مواطنين ومقيمين) بالحج برا وجوا دون تعقيدات أو مماطلات أو إجراء مقابلات أو توقيع تعهدات، فهم ذاهبون لبيت الله.. وهم ضيوف الرحمن، ومثل هذه الإجراءات التي تفرض أحيانا وترفع أحيانا أخرى، تثبت الحجة في تسييس الحج، فمن يضع تعقيدات ثم يقدم تسهيلات يؤكد أنه يتحرك في ملف الحج حسب الضغوط والوساطات والتقارير، وكان حريا به أن يرتقي بتطبيق الشريعة الإسلامية بعيدا عن التأثيرات السياسية!

بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
18/08/2017
9449