+ A
A -
انتهت القمة الخليجية كما بدأت، دون تغيير على المشهد العام المتشكل منذ ستة أشهر، حيث قطر مازالت الطرف الأكثر شفافية، والأقوى حجة، والأشد موضوعية، بحضورها الرسمي عبر وفد كبير يتقدمه صاحب السمو الأمير، وكذلك الكويت، الطرف الأحرص على الوساطة ولم الشمل والحفاظ على مجلس التعاون، كما هو الحال بالنسبة لسلطنة عُمان، التي تسعى لصمود هذه المنظومة في وجه العواصف والخلافات السياسية بين بعض أعضائها.
كما لم يتغير المشهد أو التوقعات بشأن دول الحصار التي تفرّ من طاولة الحوار وتهرب من المواجهة مما يؤكد، يوماً بعد يوم، أنها تقوم بأدوار عبثية ومخططات خبيثة لإبقاء المنطقة كلها في حالة اضطراب حتى تتم تسوية عدد من الملفات الحرجة مثل ترتيبات نقل السلطة، وتثبيت أركان الحكم في السعودية، وتغيير نهجها السياسي والديني والاجتماعي عبر إحلال النظام العلماني والانفتاح على الغناء والسينما والترفيه وقيادة المرأة والتطبيع مع إسرائيل والقضاء على حماس وترحيل سكان غزة وتقسيم اليمن !
فهذه الملفات لن تنجز في ظروف طبيعية، فهي تحتاج لأزمة مستمرة وقوانين إرهابية، تحظر إبداء الرأي أو التعاطف حتى تتم تسويتها بهدوء ودون اعتراض من أحد !
وهذه الخطط «الشيطانية» تمت صياغتها ومراجعتها في عاصمة المؤامرات العربية المتحدة، قبل أن تتحول للرياض والقاهرة للتنفيذ، مقابل الدعم اللوجستي «الترامبي» للشأن الداخلي في المملكة، ومقابل قليل من الرز لأرض الكنانة.. أما «دلمون» فهي «لا تهش ولا تنش»، ومنسية في الخطة والمكافأة رغم جهودها الكبيرة في «الريتويت» وقصائد الرجل الحديدي المعجزة !
وآخر هذه الخطط التآمرية التي تتبناها دول الحصار للإضرار بمصالح العرب والمسلمين، هي التأييد للموقف الأميركي بنقل سفارته للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، رغم أنهم هددوا الأميركان باتصالات هاتفية، ولكن يبدو أنهم لن يسكتوا أكثر، وسيردون عليهم بـ «أوبريتات نووية» من كلمات تركي روتانا وتمويل «دليم الفلس».. بعنوان: «علمّوا ترامب يحذر من غضبنا» !!
رسائل ودلالات
عودة للقمة الخليجية التي احتضنتها عاصمة الصداقة والسلام في وطن النهار، ونجحت بامتياز في إقامتها للحفاظ على ديمومة هذه المنظومة، رغم الجهود الجبارة التي بذلتها دول الحصار لإفشال انعقادها أو تأجيلها أو إلغاء مجلس التعاون الخليجي، لكن جوبهت هذه الأفعال الشريرة بعزيمة كويتية وإرادة قطرية وإصرار عُماني، ونجح محور الخير في إبقائها على قيد الحياة.
ولا شك أن حضور صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، لهذه القمة، التي تحمل الرقم «38» له دلالات كبيرة ومعان واضحة نوجزها في النقاط التالية:
أولا:سموه يحمل الكثير من التقدير لأمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد، وحضوره على رأس وفد دولة قطر رسالة بأن الكويت في قلوبنا، ولن نقبل أن نكون سبباً في إفشال أي حدث تنظمه على أرضها، بعكس دول الحصار التي لم تحترم الجهود الكويتية ولا وساطتها ولا دورها الكبير في إتمام وإقرار تنظيم هذه القمة، بل راوغت حتى اللحظات الأخيرة، وتعاملت بـ «قلة ذوق» مع الدولة المستضيفة.
ثانيا: حضور صاحب السمو يثبت للعالم أنه منفتح على الحوار والمواجهة ومقارعة الحجة بالحجة، ولولا أنه واثق من سلامة موقفه لما حضر وانتظر.. ولكن الطرف الآخر خائف ومرتبك وغير قادر على الجلوس على طاولة حوار، لأنه لا يملك أي حجة أو دليل.. فاختار الهروب الكبير !
ثالثا: من خلال تمثيل الدول في القمة يتبين لنا من هو الحريص على وحدة مجلس التعاون الخليجي واستمرار هذه المنظومة، ومن هو الذي يتمنى زوالها وهدمها، خاصة إذا عرفنا أن السعودية والإمارات وقعتا اتفاقيات شراكة ثنائية في نفس يوم انعقاد القمة (ونسيتا البحرين كالعادة) مما يعني أنهم يغردون خارج السرب الخليجي !
شعرة معاوية
وبصراحة.. وقبل ساعات من انعقاد القمة كان الكثيرون يأملون أن تساهم في تقليل الاحتقان داخل المجلس، وأن يكون هذا الاجتماع بداية وتمهيدا لتأسيس طاولة حوار لمناقشة الأزمة وتداعياتها، وحاولت الكويت بكل جهدها أن تجمع كل الأطراف على المائدة المستديرة وحصلت على وعود بالمشاركة بوفود كبيرة ورفيعة المستوى.
ولكن لم يعد لديهم مصداقية، فمنذ الخامس من يونيو الماضي أصبح الكذب والمراوغة في دمائهم وبالمختصر الخليجي: «ما لهم وجه يحضرون»! فعمدوا إلى افشال القمة وقطع شعرة معاوية حتى يتم تطبيع الخلاف، اعتقادا منهم بأن ذلك سيثني قطر عن مبادئها، وهنا نقول لهم ما قاله صاحب السمو: «نحن بألف خير بدونكم».
أما الأمين العام الزياني فظهر أخيرا، ونطق أمام العلن، وقال قولا ركيكا مخالفا لأفعاله وتوجهات معازيبه.. فهو يتحدث عن ضرورة توحد المجلس والمحافظة عليه، فيما هو يصمت صمت القبور عن فرض حصار على عضو مؤسس، ويستهدف شعبه وأمنه، دون أن ينطق ببنت شفة.. وكأن على رأسه الطير.. وكان الأشرف له أن يقرأ استقالته بدلا من البيان الختامي.. ولربما سيكون أشجع موقف في حياته!
آخر نقطة..
مع انقضاء آخر «فرصة مناسبة» للقاء والحوار، أعتقد أن قطر أعطتهم الوقت الكافي لمراجعة مواقفهم وأخطائهم، وفتحت باب الوساطة، وانفتحت على المشاورات العربية والعالمية، لأنه لا يوجد لديها شيء تخفيه أو تخاف منه، فيما هم يغلقون الأبواب والنوافذ ويهربون من المؤتمرات والاجتماعات !
لذلك أعتقد أنه من المناسب طي هذه المرحلة بكل تفاصيلها، والمضي قدماً بدونهم، متكئين على سلامة نوايانا وحسن عملنا وخلقنا، ولنركز على بناء وطننا وتطوير خططنا، ونترك لهم تغريدات منتصف الليل وأوبريتات يا ليل يا ليل، وشيلات «حنّا هل السيف والخيل»!!
لدينا قضايا كثيرة ومشاريع كبيرة، وكل دول العالم ترى في قطر منارة للعلم والاستثمار والسياحة، ومكانا مناسبا للاستمتاع بأحداثها الثقافية والرياضية، ونقطة تلاق للحوارات الحضارية.
لا تراجع عن مبادئنا ولا التفات لـ «هياطهم».. مع حذر من التحريض والمؤامرات التي استمرأتموها وأصبحت من سماتكم وفي جيناتكم.. حتى أصبحتم في ذيل الأمم بسبب الغدر والخيانة.
أما قطر فقدرها أن تدافع عن الحق حتى أصبحت كعبة المضيوم، وهي اليوم تخوض معركة استقلال جديدة عن دول باعت قضاياها في سبيل مصالحها !
لكن في قاموسنا المبادئ لا تباع ولا تشترى.. وقطر ثابتة على نهجها وخلقها والتزامها بمحيطها العربي والإسلامي، لذلك تحظى باحترام كبير لدى الشعوب.. ويحظى أميرنا بمكانة خاصة في القلوب.

بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
07/12/2017
6817