+ A
A -
حقا إن في كل محنة منحة، وكثيرا ما تكون الضارة نافعة إذا ما استطاع الإنسان أن يتعامل معها بحكمة ويتجاوزها، وأكثر ما تنطبق هذه القيم المتأصلة في تراثنا العربي والإسلامي هذه الأيام تنطبق على الحالة القطرية في تعاملها مع الأزمة الخليجية.
فبعد مرور هذه الشهور غير القليلة على بدء الأزمة، ومن خلال متابعات دقيقة وعمليات رصد أمينة نستطيع القول إن المواطن القطري تمكن من ترسيخ الصورة الذهنية الجميلة له عند الشعوب العربية قاطبة بما فيها شعوب دول الحصار نفسها، فهو الإنسان الجميل في مظهره الخلوق في مخبره، الذي يأبى أن يصدر عنه لفظ سيئ مهما تمادى الآخر في السيئات، ليس عن ضعف ولا عجز، ولكن عن إيمان عميق بالأخلاق الحسنة، وبأن الإساءات لا تعيب إلا المسيء.
أيضا استطاع الإنسان القطري أن يثبت للعالم شرقه وغربه شماله وجنوبه أنه قوي الحجة وقوي المنطق، واثق من نفسه كل الثقة، لدرجة لم تستطع معها الحملات الإعلامية المأجورة أن تنال من ثقته في نفسه، أو تضعف من قوة حجته، لأنه ببساطة شديدة ودون تعقيد صاحب حق وإنه لعلى حق، ويعرف أين يضع قدمه إذا ما خطا خطوة، وأين تستقر كلمته إذا ما تكلم، ولأنه يعرف جيدا عواقب كل شيء جميلا كان أو غير ذلك.
وقبل كل هذا وبعده أكد القطريون لشعوب الدنيا قاطبة أنهم لا يساومون على سيادتهم، ولا يفرطون في استقلاليتهم، وأنهم لا يخضعون لنفوذ ما هنا أو هناك، فالسيادة والاستقلال والحرية عندهم مقدسة وضرورة من ضرورات الحياة كالماء والهواء، وكان «تميم المجد » حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه قد أحاط الدنيا كلها علما بصلابة شعب قطر من خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعين حيث قال سموه: «لقد صمـد هـذا الشعـب فـي ظـروف الحصـار، ورفض الإملاءات بعزة وكبرياء، وأصر على استقلالية قرار قطر السيادي، وعزز وحدته وتضامنه، وحافظ على رفعة أخلاقه ورقيه رغم شراسة الحملة الموجهة ضده وضد بلده». وبحسب مجلة ديرشبيغل الألمانية نقل هذا الخطاب أكثر من مائة وعشرين قناة تليفزيونية إلى أرجاء الدنيا، وتابعه وشاهده على الهواء مباشرة 156 مليون إنسان في الشرق الأوسط و91 مليونا خارج المنطقة.
وفي الوقت ذاته يتبع القطريون نهجا يقوم دائما على التعاون والتفاهم مع الجميع من أجل خير البشرية، وكان من ثمار هذا النهج بدء الحوار الاستراتيجي بين قطر والولايات المتحدة الأميركية القائم على التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتجارية ومحاربة التطرف والإرهاب، ومما لا شك فيه أن هذا الحوار سيمتد إلى مناقشة حلول الأزمة الخليجية مع التشديد على احترام سيادة كل طرف، ومما لا شك فيه أيضا أن هذا ما نادت وتنادي به قطر منذ بداية الأزمة لإيمانها العميق بضرورة وجود مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودوره القوي، وإيمانها العميق أيضا بالأخوة بين شعوبه الراغبة بلا شك في انقشاع هذه السحابة.
أخلص إلى أن هذه المكانة التي تبوأتها قطر إقليميا وعربيا ودوليا ليست وليدة ظروف معينة، ولم تأت كهبات ومنح وإنما خلاصة ونتيجة عمل طويل ودؤوب من الإرشاد والتوجيه والتعليم والإصرار على التميز والتفرد، من خلال التمسك بفضائل الأخلاق والتواضع والصدق والثقة في النفس، والعزيمة في سبيل تحصيل العلم والتميز، وليس أدل على ذلك من تلك النصائح والتوجيهات الرشيدة التي يوجهها أميرنا لشعبه دائما فيجد التجاوب سريعا ويحضرني هنا توجيه سموه حفظه الله ورعاه للشعب بقوله في خطاب الثبات: «نحن بحاجة للاجتهاد والإبداع والتفكير المستقل والمبادرات البناءة والاهتمام بالتحصيل العلمي في الاختصاصات كافة، والاعتماد على النفس ومحاربة الكسل والاتكالية» هذه العبارات والتوجيهات السامية كانت جديرة بأن تكون دستور حياة لكل فرد منا، يخطها بأحرف من نور ويضعها في برواز نصب عينه في البيت والعمل، ويشرع في الخطوات الجادة لترجمتها إلى واقع حقيقي، حتى نكون عند حسن ظن سموه، وهذا ما حدث بالفعل، ولعلنا نتذكر في الأسبوع الماضي حيث حصد أو حصل كوكبة من المبتكرين من أبناء قطر على سبع ميداليات في المعرض العاشر للاختراعات بالشرق الأوسط الذي انعقد في دولة الكويت الشقيقة بينها ميداليتان ذهبيتان وأخريان فضيتان وثلاث برونزيات، مما يؤكد أن الشعب القطري يسير على هدي الخريطة التي رسمها له قائده، الأمر الذي يضاف إلى الصورة الذهنية عن هذا الشعب الوفي لدى الآخرين من الشعوب، وكما ذكرنا بما فيها شعوب دول الحصار نفسها وهي شعوب شقيقة لها منا كل التقدير والاحترام، فهم إخوة لنا وعائلاتنا واحدة تربطنا بهم رابطة، ومهما طالت الأزمة لن يتعكر صفو الحياة بيننا وبينهم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر أتشرف هنا بالإشارة إلى النصائح التي وجهتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر لعدد من الطالبات خلال زيارتها لأكاديمية قطر فرع الوكرة، ودعوتها بأن يجعلن مكارم الأخلاق دستورا يوميا لهن والتمسك بالصدق والأخلاق ليكنَّ مواطنات صالحات. وللتذكير فقط فإن الوفد الذي حصد ميداليات الاختراع في الكويت كان يضم من أعضائه ثلاث مخترعات.
هذا هو المواطن القطري كما رأيناه في عيون الآخرين يحظى باحترام وتقدير كبيرين لأنه أهل لهما، وأهل لكل ما هو جميل.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
04/02/2018
2694