+ A
A -
ارتدت الكويت أبهى حلة وهي تتهيأ للاحتفال باليوم الوطني الـ «57» لاستقلالها، والذكرى الـ«27» لتحريرها، والذكرى الـ«12» لتولي سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم فيها.
ثلاث مناسبات عزيزة على قلوب الكويتيين، وعلى قلوبنا هنا في قطر، وعلى قلوب جميع الأشقاء والأصدقاء، حيث نتشاطر جميعنا مع أهلنا في الكويت هذه المناسبات ذات الدلالات الكبيرة والمهمة.
احتفالية الكويت مناسبة لاستذكار تاريخ هذا البلد، واستحضار ذكرياته المجيدة، ومشاركة الأخوة والأهل هناك بالنقلة الحضارية والثقافية والاقتصادية والسياسية، التي هي محط إعجاب وانبهار الجميع ومحل إشادة من العالم أجمع.
الحديث عن هذه المناسبات الوطنية يطول، والقلم فيها يصول ويجول، فنحن أمام قصة بناء نهضوي شامل، حافل بالانجازات التي جعلت الكويت على ما هي عليه اليوم من شموخ وعزة.
وعندما نتحدث عن الكويت، لابد أن يكون صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في قلب الحديث، كما هو في قلب الجميع..
فالمتتبع لمسيرة سموه سوف يلحظ سريعا أنه أمام قائد من نوع خاص، كرس حياته ووقته وجهده لبناء وطنه، وفق أرقى المعايير، منذ أن كان في العشرين عمره، حيث تقلد الكثير من المناصب في الخمسينيات من القرن الماضي، كان من بينها ترؤسه دائرة المطبوعات والنشر، وصدر في عهده أول عدد لمجلة العربي، إضافة إلى الجريدة الرسمية (الكويت اليوم)، وهو أمر له مغزاه، على اعتبار أن الاحتفاء بالكلمة هو احتفاء بالعلم، والأخذ بناصيته.
كانت الثقافة، ومازالت، محل اهتمام كبير، واكتسبت الصحافة الكويتية شهرتها الواسعة من جرأتها ومصداقيتها، ومن مناخ الحرية، الذي أتاح لها التعاطي مع الشؤون المحلية والعربية والدولية، بشفافية منقطعة النظير في المنطقة، كما شهدت الكويت نهضة فنية قل نظيرها، ليس في منطقة الخليج وحدها، وإنما في العالم العربي بأسره، وصارت رائدة للأعمال الجادة مسرحيا وسينمائيا.
لم يكن ذلك ممكنا لولا وجود شعب حي مبدع، وقيادة واعية، فتحت السبل أمام إبداعاته، فأتحف العالم العربي بأعمال مازالت محفورة في ذاكرتنا جميعا.
في ذروة العطاء، وذروة الإبداع، جاء الغزو الغاشم، في الثاني من أغسطس «1990»، وبقيت الكويت تحت الغزو سبعة شهور، وتحت المقاومة الشديدة والمستمرة من الشعب الكويتي، الذي رفض وقاوم الاحتلال، مدعوما بأشقائه في الخليج والدول العربية، والدول الصديقة، استطاع أن ينتزع حريته، ويعود لمكانته الطليعية، وتم تحرير الكويت في «26» فبراير لعام «1991».
لم تكن عودة الكويت إلى دورها الرائد سهلة، فما حدث كان كبيرا ومدمرا، لكن إرادة الحياة وهمة الشعب، والرؤية السديدة للقيادة الكويتية، مكنت هذا البلد الشقيق من تجاوز آثار تلك المحنة، والعودة إلى الطريق الذي سلكه، واستطاع مرة أخرى استئناف دوره الرائد، وكانت آخر مبادراته مؤتمر إعمار العراق، الذي استطاع أن يجمع «30» مليار دولار.
لم يكن ذلك غريبا على الكويت وأهلها، وقادتها وصناع القرار فيها، لم يتنكروا لمسؤولياتهم، ولم يخيبوا الأمل والرجاء فيهم، فالعطاء سمة كويتية أصيلة، والانحياز للأمة وهمومها كان ومايزال على رأس الأولويات، لتبدأ مرحلة جديدة من الازدهار والتطور، بإنجازاتها العمرانية والتنموية، في مجالات الحياة المختلفة. واستطاع الكويتيون، بكفاحهم وتفانيهم وعملهم الدؤوب، بناء الكويت من جديد، بشكل أقوى مما كانت عليه قبل الغزو، كما حققت لشعبها العديد من مظاهر الرعاية والرفاهية، وعادت تؤدي دورها الوطني، وواجبها القومي، لخدمة قضايا الأمة العربية، ودعمها معنوياً ومادياً.
وكان سمو الشيخ صباح الأحمد قال في كلمة له حين كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية إن «لكل ذكرى عبرة وعبرة اليوم تكمن في بناء مستقبل واعد للكويتيين يقيهم شر تجربة الغزو المريرة، ويحفظ آمالهم بوطن مستقر قادر ومتطور»، كما قال سموه في كلمة له بمناسبة انتهاء فترة الحداد، وذكرى العيد الوطني الـ 45 وذكرى التحرير الـ 15 «يكتسب التحرير معنى جديدا ذا قيمة وجدوى اذ يصبح التحرير عملية مستدامة وحماية مستمرة تحفظنا من التفريط في الثوابت وتكريس كل الجهود والقدرات والامكانات للنهوض بوطننا العزيز والرقي به إلى أعلى مراتب التقدم والنماء».
وأضاف «ليس العيد الوطني أو التحرير يوما لمظاهر الاحتفال والأضواء والبهجة بل هو قبل ذلك وبعده يوم للوقفة مع النفس وقياس درجة الالتزام ومدى ما قدم كل منا لأهله ووطنه وأمته، وما يتحتم عليه أن يقدمه في مستقبله من عطاء يفتخر به وطنه».
يخبرنا التاريخ عن العديد من القادة الذين أحدثوا تغيرا مهما لصالح شعوبهم، ومما لاشك فيه أن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هو أحد هؤلاء القادة، الذين استطاعوا النهوض بأوطانهم في كل مجال، والشواهد في الكويت كثيرة وعديدة، تنبئ جميعها بما حققه سموه لوطنه وشعبه وأمته.
لقد تسلم الشيخ صباح الأحمد زمام الحكم، والمنطقة العربية بأسرها تموج بالاضطرابات، فقاد السفينة بخبرة وتجارب السنين المعجونة بحنكته السياسية، وتفوقه الدبلوماسي المشهود له، عربيا وإقليميا ودوليا، وتمكن بفضل ذلك من العبور بها إلى بر الأمان والاستقرار لتواصل دورها الريادي المنفتح.
هو رجل التسامح والسلام، لذلك لم يكن غريبا ولا طارئا أن ينعقد مؤتمر إعمار العراق في الكويت، وهو الرجل المؤمن بقضايا أمته، فلم ينقطع في دعم الدول العربية من مصر إلى تونس وليبيا واليمن والسودان ولبنان والصومال، وهو الرجل المؤمن بالقضايا الإنسانية، لذلك وصلت مساعداته إلى آسيا وإفريقيا وغيرهما من القارات، حيث امتد دعمه إلى كل مكان وجد فيه معاناة إنسانية.
أينما كان هناك محتاج، أو وقعت كارثة أو أزمة، أو اضطهاد، تجد الكويت حاضرة، تمد يد العون والمساعدة فوراً، ناهيك عن دعمها للمؤسسات الخيرية والإنسانية، والمنظمات الدولية، في محاربة الفقر، وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والتنمية الاقتصادية والبنية التحتية.
أمير الكويت لم يتأخر ولم يتوان ببذله وعطائه ومساندته لقضايا البشرية، فاستحق بجدارة تكريم الأمم المتحدة وتسميته «قائدا للعمل الإنساني»، وتسمية دولة الكويت الشقيقة «مركزا للعمل الإنساني»، لتواصل دورها التنويري والريادي.
في كل أزمة كانت الكويت حاضرة، تبذل الجهد والوقت لتذليل الصعاب، وتبريد مناطق التوتر، وإخماد الأزمات، وآخرها جهود سمو أمير الكويت لحل الأزمة الخليجية، والتي لقيت كل تجاوب من جانب دولة قطر.
مناسبتا العيد الوطني والتحرير عزيزتان على قلوب كل الكويتيين، وكل القطريين، وكل محبي الكويت، ففيهما الكثير من العبر والدروس، على التلاحم والتماسك بين أفراد المجتمع الكويتي، ولقد نجح الأشقاء الكويتيون، بجدارة، بفضل حفاظهم على تراثهم وثوابتهم، والتمسك بقيمهم الروحية، في المساهمة في دفع عجلة التقدم والتطوير نحو المستقبل بخطى ثابتة.

آخر نقطة

عدت للتو من دولة الكويت بعد أن حضرت مؤتمرا لإعادة إعمار العراق في موقف إنساني نبيل قلما نشاهد مثله، لكن لأنه وطن النهار وبلد الإنسانية التي تتسامى عن كل الخلافات وترتقي فوق الأزمات ودائما تنظر للأمام وتتطلع للمستقبل.. فنجدها في مثل هذه المواقف العظيمة.
ودائما أتوق لزيارتها واعتبر نفسي بين أهلي وهذا شعور القطريين تجاه أشقائهم الكويتيين، فما يجمعنا هي روابط وأواصر عميقة وحقيقية، ونحن وهم نعتبر (عينين في رأس) ..
وعندما احتاجت الكويت وجدت قطر وأهلها يفتحون لها القلوب والأبواب بكل محبة، وعندما غدر الأشقاء بقطر في ليلة رمضانية،
سجلت الكويت موقفا بطوليا ورجوليا ورفضت أن تكون في صف دول الحصار، وسعت ومازالت الى إيجاد الحلول لهذه الأزمة بكل ماتملك من جهود سياسية وخبرات دبلوماسية بقيادة أمير الإنسانية.
مبروك للكويت أميرا وحكومة وشعبا وسدد الله خطاهم على طريق الخير والمحبة والعطاء.. وسلمت للمجد في هذا اليوم المجيد.

بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
21/02/2018
6577