+ A
A -
يعد «الجامع الكبير» في بلدة جينيه، الذي يقع في منطقة نائية في الصحراء الحارقة جنوبي مالي، بناء جذابا وفريدا، وهو مقام على مساحة طولها 91 مترا ويرتفع إلى 20 مترا، وهو أضخم بناية مشيدة من الطوب الطيني في العالم.
يوصف المسجد بأنه أجمل مثال على طراز العمارة السودانية السواحيلية الذي يميز تلك المنطقة، كما يتميز باستخدام الطوب الطيني والسقالات الخشبية، ويعتبر المسجد بلا شك أهم موقع في بلدة «جينيه» المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وأصبحت بلدة جينيه، الواقعة في واد بين نهري النيجر وباني، مأهولة بالسكان منذ 250 سنة قبل الميلاد، الأمر الذي يجعلها واحدة من أقدم المدن في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وازدهرت بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر كملتقى رئيسي لنقل البضائع كالذهب والملح، كما وفدت إليها القوافل التجارية ورجال الدين والكتبة، الذين دعوا إلى الإسلام في المنطقة، وسرعان أن أصبحت جينيه مركزا لتعليم الإسلام، وشُيد البناء الحالي للمسجد الكبير عام 1907 على موقع المسجد الأصلي الذي تعرض للإهمال خلال القرن التاسع عشر.
ويضم «الجامع الكبير» ثلاث مآذن مميزة، وتبرز خارج جدران المبنى مئات القوائم الخشبية من النخيل التي تعرف باسم «تورون» أي الحبال. ويحتفظ المسجد ببرودته خلال الأيام شديدة الحرارة، ويدعم السقف والجدران سقيفة مكونة من 90 قائما خشبيا، وهو ما يوفر عازلا عن حرارة الشمس، بينما توجد ثقوب في السقف تسمح بمرور الهواء النظيف في موسم الصيف والجفاف، ويمكن سدها بأغطية طينية أثناء موسم المطر، وتتسع قاعة الصلاة في المسجد لثلاثة آلاف شخص.
ويُعاد بناء جدران «الجامع الكبير» في جينيه في شهر أبريل من كل عام في يوم ملحمي يطلق عليه بالفرنسية «لا كريبيساج» (أي إعادة كساء المبنى بالطين). ويتطلب البناء صيانة سنوية كما هو متبع مع بيوت البلدة التقليدية المبنية بالطين اللبن، وذلك قبل أن يحل موسم المطر القصير شديد الغزارة، والذي يأتي غالبا في يوليو وأغسطس من كل عام، إذ يهطل في هذه الفترة معظم المعدل السنوي للأمطار البالغ ألف ملليمتر.
وتضمن هذه المبادرة الجماعية الهائلة صمود المسجد أمام الانهيار خلال موسم المطر، على الرغم من اختلاف شكله بعض الشيء في كل عام. ولا يعد الاحتفال مناسبة مهمة للصيانة بهدف حماية جدران المسجد من التشقق والانهيار فحسب، بل هو احتفال يعكس معتقدات وتراث أهالي جينيه.
وتسود البلدة، في الليلة التي تسبق إعادة البناء والترميم، حالة من الترقب والاستنفار، ويشارك أهل البلدة في مهرجان للرقص والغناء يُعرف بليلة السهر، وتدوي في الشوارع المضاءة بنور القمر صيحات ودقات طبول قبل أن تُطلق الصافرة حوالي الساعة الرابعة فجرا ليبدأ الحدث السنوي الأهم.
وبمجرد بدء عملية «إعادة كساء المبنى بالطين»، تتنافس فرق من كل أحياء جينيه لإعادة كساء المسجد بعناية ودقة. يتسلق الشباب واجهة المسجد، تحت إشراف مجموعة من 80 بناءً، حيث تحظى مهنة البناء باحترام كبير في جينيه، حاملين السلال المصنوعة من الخيزران مملوءة بالطين المبلل ويكسون الجدران بطبقات سميكة من الطين.
وتتنافس الفرق فيما بينها لإكمال القسم الخاص بكل منها أولا، والفوز في هذه المنافسة مصدر فخر حقيقي للمتنافسين الذين يتسلم الفائز منهم أيضا جائزة مالية بالعملة المحلية (تعادل نحو 68.5 جنيه إسترليني)، وهو مبلغ كبير في بلدة يبلغ دخل الفرد فيها أقل من جنيه إسترليني واحد في اليوم.
copy short url   نسخ
17/08/2019
828