+ A
A -
أسامة أبو أرشيد كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
لعل أهم ما كشف عنه الانقلاب الذي جرى في مدينة عدن جنوبي اليمن، الأسبوع الماضي، من مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، ضد الحكومة المعترف بها دولياً، لا ينحصر في الغدر والتآمر الإماراتي، والتواطؤ، أو العجز السعودي، على الأقل، بقدر ما أنه عرَّى خلفيات هزيمة محور السعودية - الإمارات أمام إيران، وعجزه عن حسم أي معركة معها في أي ساحة كانت. أثبت الانقلاب أن الإمارات المتورّطة فيه مباشرة، والسعودية التي وقفت أمامه عاجزة، أو أنها تواطأت فيه، إنما هما دولتان من دون عقل استراتيجي، ومحكومتان بعقلية العصابات وقطّاع الطرق والمراهقين السياسيين، لا بعقلية الدول وحساباتها الكبرى المعقدة. وإلا كيف يمكن تفسير مساهمة أبوظبي والرياض في نقض الورقة الوحيدة التي في أيديهما لتبرير تدخلهما الدموي في اليمن بذريعة أن «الحكومة الشرعية»، برئاسة عبد ربه منصور هادي، هي من طلبته واستعانت بهما لاستعادة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون، وكلاء إيران، خريف عام 2014؟ الأدهى أن يتم الغدر والتواطؤ هذان ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في وقتٍ يُصَعِّدُ المجتمع الدولي، بما في ذلك الكونغرس الأميركي، انتقاداته للجرائم التي يرتكبها محور السعودية - الإمارات في اليمن، في حين لا تكاد تجد نقداً ذا معنى لممارسات الحوثيين هناك، ومن ورائهم إيران الداعمة لهم.
قد يجادل بعضهم بأن الإمارات لا تريد يمناً موحداً، وهي التي سطت على سواحله وموانئه وجزره الاستراتيجية، حتى لا يتحوّل يَمَنٌ موحدٌ مستقرٌ منافساً لموانئها، خصوصاً أن اليمن مع جيبوتي وإريتريا يتحكمون بمضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويعد بوابة العبور إلى القارة الأفريقية وثرواتها. هذا صحيح، وقد رأينا أحد تعبيرات ذلك في محاولات الإمارات المستميتة والمستمرة للسيطرة على أرخبيل سقطرى الواقع في نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب. كما قد يجادل آخرون، بأنه ليس للسعودية مصلحة بأن يكون على حدودها الجنوبية يمن موحد، مستقر وقوي، خصوصاً أنها رفضت توحيد شطريِّ اليمن، الشمالي والجنوبي، منذ ستينيات القرن الماضي، وعملت على ضمان بقاء انفصالهما. ثمَّ إنها عارضت الوحدة اليمنية عام 1990، ودعمت محاولة الانفصال الجنوبية الفاشلة عام 1994. كل هذا صحيح أيضا، ولكن أياً من ذلك لا ينفي أننا اليوم بصدد واقع جديد في اليمن، أين تتمدّد إيران، الخصم الاستراتيجي التقليدي للسعودية والإمارات، لإطباق كمّاشة على المملكة، شمالاً عبر العراق، وجنوباً عبر اليمن، وبالتالي، إضعاف الإمارات أيضاً، إن تمَّ لإيران السيطرة على اليمن ومقدّراته، خصوصا موانئه وجزره الاستراتيجية.
أمام كل ما سبق، لا يوجد تفسير منطقي واحد لما تفعله الإمارات والسعودية في اليمن، خصوصاً أن معطيات المعارك على الأرض تثبت أنهما تورّطتا، منذ عام 2015، في مستنقع وحلٍ في اليمن استنزف قواهما وثرواتهما.
copy short url   نسخ
18/08/2019
1268